أخبار ليبيا 24
لم يكن بيان لجنة الأمن القومي بالمجلس الأعلى للدولة بشأن أزمة توطين المهاجرين غير الشرعيين في ليبيا مفاجئًا في حد ذاته، فقد اعتاد المشهد السياسي على بيانات الشجب والاستنكار. لكن ما كان لافتًا هذه المرة أن هناك بيانين متناقضين صدرا عن لجنتين تحملان الاسم ذاته، مما يعكس حجم الانقسام الحاد الذي بات يضرب المجلس الأعلى للدولة، حيث بات خاضعًا لحكم جبهتين سياسيتين متصارعتين؛ جبهة خالد المشري، الرئيس الأسبق للمجلس والفائز بالانتخابات الأخيرة لرئاسة المجلس، وجبهة محمد تكالة، الرئيس السابق الذي خسر الانتخابات لكنه رفض الاعتراف بالنتيجة.
صراع الشرعية داخل المجلس الأعلى للدولة
مع خسارة محمد تكالة لرئاسة المجلس لصالح خالد المشري، لم تكن النتائج مجرد تبديل إداري في مؤسسة تشريعية، بل مثلت بداية انقسام خطير أدى إلى ازدواجية مؤسسات المجلس. فمنذ لحظة إعلان النتائج، تشكلت جبهتان داخل المجلس، كل واحدة تدعي الشرعية، ولكل منهما رئيس ونائبان وهيئات تابعة، بما في ذلك لجنة الأمن القومي.
هذا الانقسام انعكس بوضوح على أزمة المهاجرين غير الشرعيين، إذ صدرت بيانات متضاربة عن لجنتي الأمن القومي، حيث تبنت جبهة المشري موقفًا يعبر عن رؤية إصلاحية، في حين جاءت تصريحات جبهة تكالة حادة ومباشرة، معبرة عن رفض قاطع لأي شكل من أشكال توطين المهاجرين في ليبيا.
بيانان متضادان.. رؤيتان مختلفتان
جبهة المشري، بقيادة سعيد ونيس، ركزت على النقاط التالية:
- معالجة ملف الهجرة وفق الأطر القانونية الدولية والمحلية.
- مراجعة القوانين الخاصة بالدخول والإقامة والخروج لضمان توافقها مع مصلحة الدولة.
- إعادة تقييم الاتفاقيات الثنائية والمعاهدات الدولية المرتبطة بالهجرة لضمان عدم فرض أي التزامات تؤدي إلى توطين المهاجرين.
- مراقبة عمل المنظمات الدولية وضمان عدم تجاوزها لصلاحيات الدولة الليبية.
- إنشاء آلية موحدة لإدارة ملف مكافحة الهجرة غير الشرعية في الشرق والغرب.
في المقابل، أصدرت جبهة تكالة بيانًا شديد اللهجة، ركز على:
- رفض قاطع لأي محاولات تهدف إلى توطين المهاجرين داخل الأراضي الليبية.
- تحذير من أي تهاون في التصدي لهذا الملف باعتباره تهديدًا للسيادة الوطنية.
- المطالبة بتشكيل لجنة سيادية لمعالجة الأزمة، بعيدًا عن التدخلات الخارجية.
- دعوة الأجهزة الأمنية والعسكرية لاتخاذ تدابير صارمة لوقف تدفق المهاجرين.
- تحميل المسؤولية لأي طرف داخلي أو خارجي يسعى لفرض واقع ديموغرافي جديد.
الدبيبة مستفيد من الانقسام
وسط هذا الصراع المتفاقم، يبقى عبد الحميد الدبيبة، رئيس الحكومة منتهية الولاية، أحد أبرز المستفيدين من حالة الفوضى داخل المجلس الأعلى للدولة. فطالما أن المجلس منقسم، فإن فرص إحداث أي تغيير سياسي يؤدي إلى إقصاء حكومته تظل ضعيفة. إذ تعتمد القوى الدولية والإقليمية على وجود توافق سياسي بين المجلس الأعلى للدولة ومجلس النواب للانتقال إلى مرحلة جديدة، وهو ما يعطّل أي جهود جادة لتشكيل حكومة موحدة جديدة.
تداعيات الانقسام على أزمة المهاجرين
في ظل هذه التجاذبات، يبقى ملف الهجرة غير الشرعية في ليبيا بلا حلول حقيقية. فرغم خطورة القضية وتأثيرها على الأمن القومي والاستقرار الداخلي، لا يزال التعامل مع الأزمة يتسم بالمناكفات السياسية، بدلاً من تبني حلول عملية تنهي الفوضى المستمرة على الحدود الجنوبية والسواحل الليبية.
وتشير التقارير إلى أن ليبيا أصبحت نقطة تجمع رئيسية للمهاجرين غير الشرعيين المتجهين إلى أوروبا، مما يزيد الضغوط الدولية على الحكومة الليبية لإيجاد حل دائم. ومع الانقسامات الحالية داخل المجلس الأعلى للدولة، تتضاءل فرص تبني سياسة موحدة وفعالة لمواجهة هذا التحدي.
أزمة توطين المهاجرين غير الشرعيين في ليبيا لم تعد مجرد قضية إنسانية أو أمنية، بل تحولت إلى ورقة سياسية تُستخدم في الصراعات الداخلية. وبينما ينشغل السياسيون بالمنافسة على الشرعية، يستمر تدفق المهاجرين وتتفاقم الأزمة، في ظل غياب رؤية موحدة لحل هذا الملف الشائك. فهل يتمكن الفرقاء الليبيون من تجاوز خلافاتهم والاتفاق على استراتيجية وطنية لحماية البلاد من مخاطر الهجرة غير الشرعية؟ أم أن الانقسام سيظل سيد الموقف، ليبقى الملف رهينة التجاذبات السياسية؟