الأخبارليبيا

بومطاري: تقرير المركزي يكشف استسلامه للسوق السوداء رسمياً

الإنفاق الحكومي الخفي.. أزمة تضرب استقرار الاقتصاد الليبي

أخبار ليبيا 24

  • المركزي يضخ 3 مليارات دولار للأغراض الشخصية رغم الأزمة
  • 100 مليار دينار سنوياً للمرتبات.. أعباء تهدد المالية العامة
  • توسيع مكاتب الصرافة.. خطوة تقنن المضاربة وتهريب الأموال
  • هل يتخلى المركزي عن دوره في حماية الدينار؟

بومطاري: تقرير المصرف المركزي إعلان رسمي عن استسلامه لمنظومة السوق السوداء

بين فوضى السياسات النقدية وتآكل الاحتياطيات.. إلى أين يتجه الاقتصاد الليبي؟

لطالما شكل مصرف ليبيا المركزي حجر الأساس في استقرار الدولة، باعتباره الحارس الأمين على السياسة النقدية، وضامن عدم تحول الاقتصاد إلى رهينة للفوضى المالية. غير أن تقريره الأخير حول الإيرادات والإنفاق للفترة من 1 يناير حتى 28 فبراير 2025 كشف عن عمق الأزمة التي يعيشها النظام المصرفي، وطرَح تساؤلات جدية حول دوره الحقيقي في حماية استقرار الدينار، أو تواطئه مع قوى السوق السوداء.

المرتبات.. إنفاق ضخم وأرقام مغيبة

وفقاً لما ورد في التقرير، فإن المصروفات الحكومية تكاد تقتصر على المرتبات. لكن تحليل البيانات يكشف عن إنفاق حكومي واسع بالعملات الأجنبية، ما يثير تساؤلات جوهرية حول مصادر التمويل في ظل غياب الشفافية حول كيفية تغطية هذه النفقات.

يشير فرج بومطاري، وزير المالية السابق بحكومة الوفاق، إلى أن حكومة عبد الحميد الدبيبة، منتهية الولاية، لجأت إلى إعادة تصنيف بعض المرتبات من الباب الأول إلى البابين الثالث والرابع منذ عام 2021، ما أدى إلى إخفاء القيمة الحقيقية لهذه المصروفات. فبينما يظهر في التقارير الرسمية أن إجمالي مرتبات القطاع الحكومي تبلغ 5.9 مليار دينار شهرياً، فإن الرقم الفعلي يتجاوز 8.4 مليار دينار شهرياً، دون احتساب مرتبات المؤسسة الوطنية للنفط، والتي باتت أرقامها غامضة منذ إدراجها في الباب الثالث.

هذا التضخم في بند المرتبات يُنذر بكارثة مالية؛ إذ تشير التقديرات إلى أن إجمالي الإنفاق السنوي على الأجور يتجاوز 100 مليار دينار، أي ما يعادل 20 مليار دولار وفق سعر الصرف الحالي. وإذا ما قارنّا ذلك بإجمالي إيرادات النفط لعام 2024، والتي بلغت 18 مليار دولار، نجد أن هذه العائدات لم تعد تكفي حتى لتغطية رواتب الموظفين الحكوميين، فما بالك ببقية المصروفات الأساسية والدعم؟

أموال تهرب والمواطن يعاني

وفي ظل هذا الواقع المقلق، تظهر مفارقة أخرى أكثر خطورة؛ فبينما يعاني المواطن من ارتفاع الأسعار وتآكل قدرته الشرائية، تشير بيانات المصرف المركزي إلى أن 3 مليارات دولار تم ضخها للأغراض الشخصية عبر بطاقات الدفع الدولية. هذه الأموال تم توزيعها على نحو 750 ألف بطاقة، بما يعادل 17 مليار دينار ليبي، وهو ما يعادل رواتب موظفي الدولة لشهرين كاملين. فكيف يتم ضخ هذه الأموال الهائلة في الوقت الذي تعاني فيه الأسواق من ركود اقتصادي وانعدام الإنفاق التنموي؟

يشير بومطاري إلى أن هذه التدفقات النقدية لم تساهم في تحريك عجلة الاقتصاد، بل عززت من عمليات التهريب والمضاربة على العملة. فعندما تتفوق مخصصات الإنفاق الشخصي على مخصصات الاستيراد، ندرك أن هناك اختلالاً جوهرياً في السياسات النقدية. فبحسب تقرير المصرف المركزي، بلغت قيمة الاعتمادات المستندية الموجهة لاستيراد السلع والخدمات 2.3 مليار دولار فقط، مقارنة بـ3 مليارات دولار للأغراض الشخصية. فكيف يمكن تبرير هذا الفارق؟

قرار مشبوه.. توسيع مكاتب الصرافة وتمكين السوق السوداء

بدلاً من اتخاذ إجراءات صارمة للحد من المضاربة على الدولار، جاء القرار الصادم من المصرف المركزي بمنح تراخيص رسمية لـ135 شركة ومكتب صرافة جديدة. هذا القرار، بحسب بومطاري، ليس سوى غطاء رسمي لتحويل السوق الموازي إلى كيان “مشرعن”، ما يعني أن المصرف المركزي لم يعد يسعى للقضاء على السوق السوداء، بل بات يوفر لها الشرعية القانونية.

هذه الخطوة تأتي في ظل ارتفاع مطرد في الإنفاق بالعملات الأجنبية، مع تراجع واضح لدور القطاع المصرفي الرسمي، ما يعني أن تدفقات النقد الأجنبي أصبحت تمر عبر قنوات موازية، خارج نطاق السيطرة الحقيقية للدولة. فإذا كان الهدف الحقيقي لهذه الخطوة هو “إصلاح القطاع النقدي”، فلماذا لم يصاحبها أي إجراءات لضبط الإنفاق أو تعزيز الشفافية في العمليات المالية؟

إلى أين يتجه الدينار الليبي؟

النتائج المتوقعة لهذه السياسات تبدو واضحة؛ استمرار انهيار قيمة الدينار الليبي، استنزاف الاحتياطيات النقدية، وارتفاع معدلات التضخم. ففي ظل سياسة الإنفاق العشوائي، واعتماد الحكومة على الإيرادات النفطية فقط دون البحث عن مصادر تمويل أخرى، فإن الاقتصاد الليبي يتجه إلى مرحلة أكثر خطورة.

الخطوات المطلوبة لمعالجة هذه الأزمة ليست مستحيلة، لكنها تتطلب إرادة سياسية وقرارات جريئة، تبدأ بإصلاح النظام المصرفي، ضبط الإنفاق العام، وإعادة ترتيب الأولويات الاقتصادية. كما يجب فرض رقابة صارمة على التحويلات المالية المشبوهة، والحد من عمليات تهريب الأموال التي تستنزف موارد الدولة.

هل يتخلى المصرف المركزي عن دوره الحقيقي؟

الأسئلة التي تطرح نفسها الآن: هل سيواصل المصرف المركزي سياسته الحالية، متخليًا عن دوره في حماية الاقتصاد؟ أم سيستجيب لمتطلبات الإصلاح؟ الجواب عن هذه التساؤلات هو ما سيحدد مستقبل الاقتصاد الليبي في السنوات المقبلة.

لكن الواقع يقول إن المصرف المركزي، بدلاً من التصدي للأزمة، يبدو وكأنه قد رفع الراية البيضاء أمام السوق السوداء، ما يطرح تساؤلاً أكثر عمقاً: هل نحن أمام مؤسسة نقدية تحمي اقتصاد الدولة، أم أمام كيان يخدم مصالح قلة قليلة على حساب الشعب الليبي؟

المزيد من الأخبار

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى