
أخبار ليبيا 24
- الأمم المتحدة: إزالة الألغام في ليبيا تتطلب 15 عامًا
-
مقتل 16 طفلًا منذ 2024 بسبب انفجارات الألغام
-
السلطات تواجه تحديات كبيرة في إزالة مخلفات الحروب
الألغام في ليبيا.. مأساة صامتة تهدد حاضر البلاد ومستقبلها
فخاخ قاتلة تحت الرمال
وسط مشاهد الدمار التي خلفتها الحروب والنزاعات المسلحة في ليبيا، يبقى خطر الألغام واحدًا من أكثر الملفات المعقدة التي تؤرق السلطات والمواطنين على حد سواء. هذه الفخاخ القاتلة المزروعة في قلب المدن الليبية، وعلى أطرافها، تواصل حصد الأرواح، مخلّفة ضحايا من الأطفال، المدنيين، والعمال الوافدين الذين لم يكن لهم في الصراع ناقة ولا جمل.
الأرقام المتداولة عن الألغام في ليبيا صادمة، حيث تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن البلاد تضم أكثر من 3 ملايين لغم أرضي، موزعة على مناطق واسعة من أراضيها. ومع استمرار الانقسام السياسي والميداني، تبدو جهود إزالة هذه الألغام متواضعة مقارنة بحجم الكارثة.

حرب بلا نهاية.. وإرث من الفوضى
منذ 2011، دخلت ليبيا في دوامة من الحروب والصراعات المسلحة، حيث لم يكن القتال مجرد مواجهات مباشرة بين أطراف النزاع، بل امتد ليشمل استخدام الألغام والمتفجرات في مناطق سكنية وأخرى زراعية. مع تكرار المواجهات، لم تعد هناك جهة واحدة تتحمل مسؤولية زرع هذه الألغام، بل بات الأمر أقرب إلى فوضى ميدانية، حيث خلفت كل جولة من جولات الاقتتال مئات الآلاف من الألغام.
ورغم إعلان عدة اتفاقيات لوقف إطلاق النار في السنوات الأخيرة، إلا أن هذه الألغام بقيت كجرح غائر في جسد ليبيا، إذ تحصد أرواح المئات سنويًا، وسط عجز رسمي وشعبي عن التعامل مع هذه الأزمة.
ضحايا بلا أرقام دقيقة
منذ بداية 2024، قتل ما لا يقل عن 16 طفلًا بسبب انفجارات الألغام في مناطق مختلفة من البلاد، وفق إحصائيات غير رسمية. لكن الواقع يشير إلى أن العدد الحقيقي قد يكون أكبر، نظرًا لغياب بيانات دقيقة عن الحوادث في بعض المناطق النائية.

جهود الإزالة.. طريق شائك
أمام هذا الواقع المؤلم، تسعى السلطات المعنية بالتعاون مع الأمم المتحدة والمنظمات الدولية إلى إزالة هذه الألغام. لكن الأمر ليس بهذه البساطة، إذ تشير تقارير أممية إلى أن عملية تنظيف ليبيا من الألغام ستستغرق 15 عامًا على الأقل، وهو رقم يعكس حجم التحديات التي تواجه فرق الإزالة.
وتتنوع العقبات التي تعترض جهود إزالة الألغام، بدءًا من غياب خرائط دقيقة تحدد أماكن زرعها، مرورًا بالافتقار إلى المعدات والتقنيات الحديثة، وصولًا إلى المخاطر الأمنية التي تحد من قدرة الفرق المختصة على العمل في بعض المناطق الملتهبة.
بين تاورغاء وطرابلس ودرنة.. مناطق موبوءة بالألغام
تُعدّ مدن تاورغاء، طرابلس، درنة، وبنغازي من أكثر المناطق الملوثة بالألغام في ليبيا، حيث شهدت هذه المدن مواجهات شرسة خلال السنوات الماضية. في طرابلس وحدها، وثّقت تقارير محلية وجود عشرات الأحياء السكنية التي تحولت إلى حقول ألغام.
أما في تاورغاء، فقد تحوّلت المدينة إلى نموذج حي للدمار الذي خلّفته الحرب، حيث أجبرت الألغام كثيرًا من السكان على مغادرة منازلهم، خوفًا من أن يكونوا الضحية التالية لانفجار مجهول.

الحلول المطلوبة.. بين الدعم الدولي والمسؤولية المحلية
مع ضخامة هذه المشكلة، يبدو أن ليبيا بحاجة إلى استراتيجية وطنية شاملة لإزالة الألغام، تبدأ بإجراء مسح شامل لكشف مواقعها، ثم توظيف فرق مختصة لمعالجتها، إلى جانب حملات توعية للمواطنين، خصوصًا في المناطق المهددة.
وتبرز هنا الحاجة الملحة لدعم دولي حقيقي، سواء عبر توفير معدات متطورة أو إرسال فرق متخصصة تمتلك الخبرة الكافية للتعامل مع هذه المتفجرات. فالجهود الحالية، رغم أهميتها، لا تزال محدودة مقارنة بحجم المشكلة.
صرخة إنسانية لإغلاق ملف الموت الصامت
الألغام في ليبيا ليست مجرد بقايا حرب، بل هي تهديد قائم ومستمر يعيق إعادة الإعمار، ويهدد حياة الأجيال القادمة. ومع استمرار الصراع السياسي، يبدو أن هذا الملف سيظل مفتوحًا، ما لم تتخذ السلطات خطوات حقيقية بالتعاون مع المجتمع الدولي لإنهاء هذه المأساة. حتى ذلك الحين، ستظل هذه الفخاخ القاتلة تذكيرًا مؤلمًا بأن الحرب لا تنتهي بمجرد توقف إطلاق النار، بل تبقى ندوبها محفورة في الأرض، وعلى وجوه الضحايا الذين كتب عليهم أن يعيشوا مأساتها.