قمة إفريقية حاسمة.. صراعات الانتخابات ومطالب العدالة
الجزائر وتحركاتها الدبلوماسية.. عودة قوية أم تنافس محتدم؟

أخبار ليبيا 24
-
سبع جولات انتخابية ولم يُحسم مقعد شمال إفريقيا
-
لائحة تجريم الاستعمار.. هل تفتح باب التعويضات؟
-
تنافس ثلاثي على مقعد مجلس السلم والأمن الإفريقي
-
دبلوماسية الجزائر.. سعيٌ لاستعادة النفوذ القاري
في قلب القارة السمراء، وتحديدًا في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، تدور رحى معركة دبلوماسية شرسة، ليست بأسلحة ولا جيوش، بل بصناديق اقتراع وأوراق تصويت، حيث تشهد أروقة الاتحاد الإفريقي سبع جولات انتخابية متتالية دون أن يُحسم المقعد المخصص لمنطقة شمال إفريقيا في مجلس السلم والأمن الإفريقي. مشهد يختزل صراعًا متعدد الأبعاد، يمتد من أروقة السياسة إلى ثنايا التاريخ، حيث تتقاطع المصالح وتتصادم الطموحات.
أزمة المقعد الشاغر.. تنافس ثلاثي وتأجيل متكرر
كان من المفترض أن تُحسم الانتخابات سريعًا، لكن السباق على المقعد الشمالي تعقَّد بعد فشل أي من المرشحين الثلاثة—الجزائر، المغرب، وليبيا—في الحصول على الثلثين اللازمين للفوز، وهو ما اضطر مفوضية الاتحاد الإفريقي إلى تأجيل الاقتراع إلى الشهر المقبل، في محاولة لمنح الدول الأعضاء فرصة لإعادة ترتيب أوراقها وعقد تحالفات جديدة.
الجزائر، التي نالت 30 صوتًا، بدت الأقرب لحسم المقعد، لكن لم يكن ذلك كافيًا أمام النصاب القانوني المطلوب. المغرب، الذي حصل على 17 صوتًا، وليبيا التي لم تحصد سوى ستة أصوات، يترقبان جولة جديدة من المفاوضات والكواليس الدبلوماسية التي قد تغير موازين القوى.
الجزائر.. طموح القيادة ومساعي التأثير
لم يكن هذا التنافس مجرد سباق على مقعد في مجلس السلم والأمن الإفريقي، بل جزءًا من تحركات جزائرية أوسع تهدف إلى استعادة موقعها القيادي داخل الاتحاد الإفريقي، بعد سنوات من التراجع. ترشيح الجزائر للدبلوماسية سلمى مليكة حدادي لمنصب نائب رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي يعكس هذا التوجه، خاصة بعد الحملة المكثفة التي قادها وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف، متنقلًا بين العواصم الإفريقية، حاملًا معه وعود التعاون والدعم المتبادل.
“لا نسعى وراء الوجاهة أو النفوذ”، قال عطاف، محاولًا رسم صورة لدور الجزائر كمدافع عن مصالح القارة. لكن الواقع يشي بأن الجزائر، كما غيرها، تدرك جيدًا أن النفوذ في الاتحاد الإفريقي يعني تأثيرًا في ملفات حاسمة، من الأمن الإقليمي إلى الاقتصاد والشراكات الدولية.
قمة إفريقية بملفات ثقيلة.. تجريم الاستعمار على الطاولة
وسط هذا الحراك الانتخابي، يحضر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى أديس أبابا للمشاركة في القمة الإفريقية المرتقبة، حيث تضع الجزائر بكل ثقلها خلف مشروع قرار لتجريم الاستعمار والمطالبة بتعويضات عن الجرائم التاريخية بحق شعوب القارة.
المشروع، الذي تصفه الجزائر بأنه “معركة عدالة تاريخية”، يدعو إلى تشكيل جبهة موحدة للضغط من أجل تعويضات مادية واستثمارات تنموية تعوّض الشعوب الإفريقية عن قرون من الاستغلال الاستعماري. لكن، هل يمكن حقًا إجبار القوى الاستعمارية السابقة على الاعتراف بماضيها المظلم، فضلًا عن دفع تعويضات مالية؟
تاريخ يُعاد قراءته.. والبحث عن إنصاف مؤجل
لم تكن إفريقيا مجرد ساحة للنهب الاستعماري، بل كانت أيضًا مختبرًا لممارسات قمعية تركت آثارًا لا تزال قائمة إلى اليوم، من اختلالات اقتصادية إلى نزاعات حدودية نشأت بفعل التقسيمات الاستعمارية. الجزائر، التي خاضت واحدة من أعنف حروب التحرير في التاريخ، تجد في هذا الملف فرصة لممارسة ضغط دبلوماسي، مستفيدة من إرثها الثوري ومن دعم دول إفريقية لا تزال تعاني من تبعات الماضي الاستعماري.
لكن القوى الغربية، وعلى رأسها فرنسا وبريطانيا، لطالما تجنبت الاعتراف الكامل بمسؤوليتها التاريخية. فهل يمكن للاتحاد الإفريقي أن يحقق اختراقًا حقيقيًا في هذا الملف، أم أن الأمر سيبقى في دائرة البيانات والخطابات دون ترجمة فعلية؟
الاتحاد الإفريقي.. ساحة نفوذ وصراع أجندات
لا يمكن قراءة ما يجري في أديس أبابا بمعزل عن السياق الجيوسياسي الأوسع. فالاتحاد الإفريقي لم يعد مجرد كيان قاري محصور بشؤونه الداخلية، بل بات ساحة تتنافس فيها القوى الإقليمية والدولية على النفوذ. الجزائر، المغرب، نيجيريا، جنوب إفريقيا، وحتى القوى الخارجية مثل فرنسا والصين وروسيا، جميعها تسعى لترسيخ مواقعها داخل هذه المؤسسة القارية.
ولذلك، فإن الانتخابات المؤجلة ليست مجرد تصويت على مقعد، بل هي اختبار لمعادلات القوة الجديدة في إفريقيا. فمن ينجح في كسب التحالفات؟ ومن يملك القدرة على فرض رؤيته داخل الاتحاد؟
بين الطموح والتحديات
مع اقتراب موعد القمة، تبدو أديس أبابا أشبه بحلبة مفتوحة للمناورات السياسية. الجزائر تسعى لاستعادة موقعها كقوة إقليمية مؤثرة، المغرب يناور لتعزيز حضوره داخل الاتحاد، وليبيا تحاول الحفاظ على موطئ قدم وسط أزماتها الداخلية. أما القارة الإفريقية، فهي تبحث عن صوت موحد يطالب بالعدالة التاريخية، لكن تحقيق ذلك يتطلب أكثر من مجرد بيانات رسمية.. إنه صراع إرادات، حيث المصالح تطغى أحيانًا على المبادئ، وحيث التاريخ لا يُكتب فقط، بل يُعاد تشكيله وفق توازنات الحاضر.