القاهرة تحتضن مفاوضات حاسمة لمستقبل ليبيا الأمني

اجتماع اللجنة العسكرية المشتركة.. خطوة جديدة نحو الاستقرار

أخبار ليبيا 24

حين تجتمع الإرادة.. هل يقترب الحل في ليبيا؟

في صمتٍ يليق بثقل اللحظة، احتضنت القاهرة اجتماعًا جديدًا للجنة العسكرية الليبية المشتركة 5+5، لقاء لا يخلو من الأمل، رغم كثافة الغيوم التي خيمت على المشهد الليبي منذ سنوات.

الوجوه التي اجتمعت في قاعة المفاوضات ليست مجرد شخصيات عسكرية، بل هي رموز لصراع طويل امتد من ركام الحرب إلى طاولات الحوار. هنا، لا مجال للانفعالات، فالأمر لا يتعلق بمجرد اجتماع، بل بمصير وطن يتطلع إلى استعادة سيادته الممزقة بين الأيادي.

وقف النار.. بين الالتزام والمخاوف

منذ توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في أكتوبر 2020، ظلّت ليبيا بين مد وجزر، بين التزام نظري وبؤر توتر لم تُخمد بعد. لجنة 5+5 وُلدت من رحم الحاجة إلى تثبيت هذا الاتفاق، لكن التحديات ظلت تقف كحواجز بين الاتفاق والتطبيق. اليوم، يعود الحديث مجددًا عن وقف إطلاق النار، لا كمجرد وثيقة موقعة، بل كحقيقة يجب أن تتجسد على الأرض.

“السلام ليس مجرد غياب للحرب، بل هو وجود لعدالة مستدامة”، هكذا قال أحد المشاركين في الاجتماع، مجسدًا جوهر ما تسعى إليه اللجنة. لكن تحقيق السلام في ليبيا يتطلب أكثر من نوايا حسنة، يتطلب ضمانات، وإجراءات ملموسة تُترجم الأقوال إلى أفعال.

القوات الأجنبية.. رحيل مؤجل؟

تُعد مسألة إخراج القوات الأجنبية والمرتزقة أحد أعقد الملفات المطروحة. فالوجود العسكري الأجنبي لم يكن يومًا مجرد صدفة، بل كان نتيجة تعقيدات جيوسياسية ومصالح متشابكة يصعب تفكيكها بقرار واحد.

منذ سنوات، تمركزت قوات أجنبية متعددة الولاءات داخل الأراضي الليبية، بعضها جاء بناءً على اتفاقيات، وأخرى دخلت دون دعوة. ومع أن اتفاق وقف إطلاق النار نص صراحة على خروج كل القوات الأجنبية، إلا أن التنفيذ ظل معلقًا بين التجاذبات الدولية.

في هذا الاجتماع، عاد هذا الملف إلى الواجهة، وسط تساؤلات: من سيبدأ بالانسحاب؟ وما الضمانات التي ستُقدَّم لكل طرف؟ وكيف يمكن تحقيق انسحاب متزامن يضمن عدم اختلال التوازن العسكري على الأرض؟

توحيد المؤسسات.. المهمة المستحيلة؟

ربما يكون توحيد المؤسسات الأمنية والعسكرية هو المفتاح الحقيقي لحل الأزمة الليبية. فبدون جيش موحد وقوى أمنية متماسكة، سيبقى وقف إطلاق النار هشًا، وستظل الفوضى تلوح في الأفق.

الانقسام بين الشرق والغرب، بين قوات تتبع جهات متصارعة، جعل من هذا الملف واحدًا من أعقد التحديات. في القاهرة، طُرحت رؤى مختلفة حول كيفية دمج المؤسسات، لكن الجميع اتفق على أن هذا المسار لا يمكن أن ينجح إلا إذا كان ليبيًا-ليبيًا، دون تدخلات خارجية تُعيد تدوير الأزمة بدلًا من حلها.

القاهرة تحتضن مفاوضات حاسمة لمستقبل ليبيا الأمني
القاهرة تحتضن مفاوضات حاسمة لمستقبل ليبيا الأمني

الدور المصري.. دعم بلا تدخل

لطالما كان لمصر موقف ثابت تجاه ليبيا: دعم الاستقرار دون فرض حلول جاهزة. ومنذ بداية الأزمة، أكدت القاهرة أن الحل يجب أن يكون ليبيًا خالصًا، نابعًا من الداخل، دون إملاءات خارجية قد تؤجج الصراع بدلًا من إنهائه.

مشاركة الفريق أحمد خليفة، رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية، في هذه الاجتماعات، لم تكن مجرد حضور رمزي، بل تعبيرًا عن التزام مصر بمرافقة ليبيا على طريق التعافي. فمصر تدرك جيدًا أن استقرار ليبيا ليس مجرد شأن داخلي، بل هو جزء من أمنها القومي، وحدودها الطويلة مع الجارة الغربية تجعلها معنية بكل تطور يحدث هناك.

اجتماع القاهرة.. خطوة إلى الأمام أم دوران في الحلقة المفرغة؟

السؤال الذي يفرض نفسه بعد كل اجتماع للجنة 5+5 هو: هل تحقق تقدم حقيقي، أم أننا ما زلنا ندور في نفس الدائرة المفرغة؟

المتفائلون يرون أن استمرار اللقاءات، رغم التحديات، دليل على أن هناك إرادة حقيقية للوصول إلى حل. فهم يعتبرون أن مجرد الجلوس على طاولة الحوار، بعد سنوات من القتال، هو إنجاز في حد ذاته.

أما المتشائمون، فيرون أن هذه الاجتماعات تظل في إطار الشكليات، وأن الحلول تبقى رهينة للضغوط الخارجية والمصالح المتشابكة. فالقوى الدولية التي تدخلت في ليبيا لا تزال موجودة، ولكل طرف حساباته الخاصة التي قد لا تتوافق مع مصلحة الليبيين أنفسهم.

ليبيا.. هل تقترب من لحظة المصالحة؟

ما بين التفاؤل والتشاؤم، يبقى الواقع الليبي معقدًا، لكن الحقيقة الوحيدة التي لا يمكن إنكارها هي أن ليبيا لن تستقر إلا حين يُجمع الليبيون أنفسهم على حل مشترك، بعيدًا عن التدخلات والصراعات التي أنهكت البلاد لسنوات.

اجتماع القاهرة قد يكون خطوة صغيرة، لكنه جزء من طريق طويل، وإذا كان هذا المسار سيفضي إلى استعادة ليبيا لعافيتها، فإن كل خطوة مهما بدت متعثرة، تبقى ضرورية. فالتاريخ لا يُكتب بالقفزات، بل بخطوات ثابتة، ولو كانت بطيئة.

كلمة أخيرة.. من يملك مفتاح الحل؟

في نهاية المطاف، تبقى الإجابة عن هذا السؤال في أيدي الليبيين أنفسهم. فلا اجتماع دوليًا، ولا مبادرة خارجية، يمكن أن تنجح إذا لم تكن هناك إرادة حقيقية داخلية لإنهاء الانقسام. على الليبيين أن يدركوا أن مستقبلهم لن يُصنع في العواصم الأخرى، بل يجب أن ينبثق من داخل ليبيا نفسها.

وربما يكون هذا هو جوهر الرسالة التي حملها اجتماع القاهرة: الحل ليبي-ليبي، ولا بد أن يبدأ الآن، قبل أن يفوت الأوان.


Exit mobile version