
أخبار ليبيا 24
-
بنغازي تحتضن اجتماعات مكثفة لوضع خارطة طريق توافقية
-
اللجنة الاستشارية تجتمع في طرابلس لمواصلة المناقشات
-
مجلس النواب: تواصل مع البعثة الأممية والقوى الوطنية
-
السلطة التنفيذية الجديدة محور مباحثات مكثفة بين الفرقاء
بين الإرادة الوطنية والتحديات الدولية: هل تنجح بنغازي في رسم ملامح الحل؟
وسط تعقيدات المشهد الليبي، حيث تتداخل المصالح الداخلية مع الضغوط الدولية، يبدو أن بنغازي تشهد محاولة جديدة لرسم خريطة طريق سياسية قد تكون مفتاح الخروج من النفق المظلم. فاجتماعات اللجنة المشتركة بين مجلسي النواب والدولة تعكس رغبة متجددة – أو هكذا يبدو – في إيجاد حل وطني يُخرج البلاد من حالة الجمود السياسي التي طال أمدها.
لكن، وكما هي العادة في المشهد الليبي، فإن النوايا وحدها لا تكفي، فالطريق إلى الحل محفوف بعقبات شتى، منها تباين الرؤى بين الفرقاء السياسيين، والتدخلات الخارجية التي تحول دون بلورة إرادة وطنية خالصة. غير أن اجتماع اللجنة في بنغازي قد يحمل دلالات مختلفة، ربما تعكس تحركًا أكثر استقلالية عن التأثيرات الأجنبية، في محاولة لإعادة زمام المبادرة إلى الداخل الليبي، بعيدًا عن دوائر الضغط الإقليمية والدولية.
بنغازي.. بين التاريخ والمستقبل السياسي
بنغازي، التي لطالما كانت مركزًا للأحداث المفصلية في ليبيا، تعود اليوم إلى دائرة الضوء السياسي من خلال استضافتها لاجتماعات اللجنة التنفيذية المشتركة. هذه الاجتماعات، وإن كانت تبدو كخطوة تقنية ضمن المسار السياسي، إلا أنها تحمل بعدًا رمزيًا مهمًا، مفاده أن الحلول قد تكون أقرب حين تأتي من الداخل، لا حين تُملى من الخارج.
المتحدث باسم مجلس النواب، عبد الله بليحق، أكد في تصريحات صحفية رصدتها “أخبار ليبيا 24” أن اللجنة المنعقدة في بنغازي واصلت أعمالها لليوم الثاني على التوالي، في محاولة لصياغة خريطة طريق واضحة للمرحلة القادمة. هذا التصريح، وإن بدا بروتوكوليًا، إلا أنه يحمل بين سطوره أملًا بأن يكون هناك تحرك جاد بعيدًا عن المماطلة التي وسمت المشهد السياسي الليبي في السنوات الأخيرة.
المعضلة التنفيذية.. من يملك القرار الأخير؟
لكن السؤال الأهم الذي يفرض نفسه هو: هل تمتلك اللجنة القدرة الفعلية على تحويل نتائج اجتماعاتها إلى واقع ملموس؟ أم أن هذه الجهود ستظل رهن التجاذبات السياسية والمصالح المتضاربة؟
الوصول إلى انتخابات حقيقية يستدعي وجود سلطة تنفيذية قادرة على تنظيمها وضمان نزاهتها، وهو ما تسعى اللجنة إلى تحقيقه من خلال وضع إطار واضح للمرحلة القادمة. إلا أن هذا الهدف يصطدم بعراقيل عدة، منها الانقسامات الداخلية داخل مجلسي النواب والدولة، والتوجس المتبادل بين الأطراف المختلفة، فضلًا عن غياب آلية واضحة لتنفيذ المخرجات المتفق عليها.
التدخلات الخارجية.. حجر العثرة الأكبر
لا يمكن الحديث عن المشهد السياسي الليبي دون التطرق إلى الدور الذي تلعبه القوى الإقليمية والدولية، فكل مبادرة سياسية داخلية تجد نفسها أمام معضلة التدخلات الخارجية، التي غالبًا ما تسعى للحفاظ على مصالحها أكثر من تحقيق الاستقرار في البلاد.
ومع ذلك، فإن نجاح هذا المسار قد يعتمد على مدى قدرة الأطراف الليبية على تقليل هامش التأثير الخارجي، والتركيز على المصلحة الوطنية كأولوية عليا. فليبيا تمتلك من الموارد والخبرات ما يؤهلها لإدارة شؤونها دون وصاية، شريطة أن تصدق النوايا وأن ينزوي المفسدون جانبًا، وهو أمر لا يزال موضع شك لدى الكثيرين.
دور البعثة الأممية.. دعم أم مراقبة؟
من جهة أخرى، يأتي دور البعثة الأممية كعنصر لا يمكن تجاهله في هذه المعادلة. فبينما تؤكد البعثة دعمها للمسار السياسي، فإن دورها الفعلي يظل موضع تساؤل، خاصة أن العديد من المبادرات السابقة، التي كانت البعثة طرفًا فيها، انتهت إلى الفشل بسبب عدم التزام الأطراف المحلية والإقليمية بمخرجاتها.
وفي ظل إعلان البعثة الأممية عن استمرار اجتماعات لجنتها الاستشارية في طرابلس، يبدو أن هناك محاولة لجعل الحل السياسي أكثر شمولية، بحيث لا يقتصر على طرف دون آخر، وهو ما قد يكون مفتاحًا لنجاح المسار التوافقي، أو ربما مجرد جولة أخرى من جولات المراوحة السياسية.
إلى أين تتجه الأمور؟
في نهاية المطاف، تبدو اجتماعات بنغازي كخطوة ضرورية في سياق البحث عن حل للأزمة الليبية، لكنها تظل خطوة غير كافية ما لم تتبعها إجراءات عملية تضمن تنفيذ ما يتم الاتفاق عليه.
الكرة اليوم في ملعب القوى الوطنية التي عليها أن تثبت أنها قادرة على تجاوز الخلافات الضيقة، والارتقاء إلى مستوى التحدي التاريخي الذي تواجهه البلاد. فالوطنية ليست مجرد شعارات تُرفع في المناسبات، بل التزام حقيقي بتقديم المصلحة العامة على أي اعتبارات أخرى.
ويبقى الأمل معلقًا على أن تكون هذه الخطوة بداية لمرحلة جديدة، لا مجرد محطة أخرى في مسلسل التعثر السياسي. فهل ينجح الفرقاء الليبيون في إثبات أن “أهل مكة أدرى بشعابها”، أم أن المشهد سيظل أسيرًا لمعادلات الخارج؟ الأيام القادمة وحدها كفيلة بالإجابة.