
أخبار ليبيا 24
-
الواحة للنفط .. عقد بمئات الملايين لإنشاء حواجز بحرية بسعر مبالغ
-
إسناد مشاريع لشركات بلا خبرة وصرف ملايين الدولارات
-
صفقات مشبوهة وفساد وعقود سكن بأسعار غير منطقية
-
التحقيقات مستمرة وملاحقات قضائية وحبس للمساهمين في التجاوزات
في مشهد يعيد إلى الأذهان قضايا الفساد المالي التي لطالما عصفت بالقطاع النفطي في ليبيا، أصدرت النيابة العامة أمرًا بحبس رئيس لجنة إدارة شركة الواحة للنفط، عقب تحقيقات كشفت عن مخالفات مالية جسيمة تتعلق بعقود ضخمة أُبرمت دون مراعاة لمصلحة الشركة أو المصلحة العامة.
عقود مبالغ فيها وشبهات فساد
برزت المخالفات التي ارتكبها رئيس لجنة إدارة الشركة من خلال إبرامه عقدًا لإنشاء حواجز بحرية أمام ميناء السدرة النفطي، بقيمة فاقت 769 مليون دينار ليبي، في حين أن عرضًا آخر من إحدى أدوات التنفيذ لم يتجاوز 339 مليون دينار، وهو ما أثار تساؤلات حول الدوافع الحقيقية وراء تلك الفجوة السعرية الهائلة.
لم يكن هذا العقد الوحيد الذي استرعى انتباه النيابة العامة، بل امتدت التجاوزات إلى إسناد أعمال تأهيل حقل الظهرة النفطي إلى أداة تنفيذ تأسست في عام 2022، رغم افتقارها لأي سجل خبرة في المجال، وصُرفت لها أموال طائلة بلغت 140 مليون دولار أمريكي خلال عامي 2023 و2024، في مخالفة صريحة لمعايير منح العقود في القطاع.
تبديد المال العام بممارسات مشبوهة
في سلسلة من التجاوزات المتكررة، كشف التحقيق عن أن المتهم لم يتوقف عند حد إسناد المشاريع إلى جهات غير مؤهلة، بل عمد إلى صرف 100 مليون دولار أمريكي لصالح أداة تنفيذ أخرى، دون أن تقوم بأي أعمال حفر، ما يعني عمليًا أن هذا المبلغ خرج من حسابات الشركة دون أي مردود حقيقي عليها.

وفي خطوة أخرى زادت من حدة الشبهات، تعاقدت الشركة تحت إشرافه على استئجار مبانٍ سكنية لموظفي الرقابة على أعمالها، بمبالغ مبالغ فيها وصلت إلى 50 ألف دينار شهريًا، إضافة إلى تعديلات غامضة على عقود خدمات وأعمال حفر بقيم تجاوزت مليوني دولار أمريكي.
214 مليون دولار لمقاولين محليين.. ولكن بأي مقابل؟
إلى جانب العقود السابقة، كشفت النيابة العامة عن صرف الشركة 214 مليون دولار أمريكي لصالح أدوات تنفيذ محلية تعمل في ليبيا، دون تحديد طبيعة الأعمال التي قدمتها أو المبررات الاقتصادية لمنحها تلك المبالغ الطائلة.
وفي ظل هذه الوقائع المثيرة للجدل، أكدت النيابة العامة أنها مستمرة في تتبع بقية المتورطين في هذه الملفات، كما شددت على ضرورة مراجعة العقود المبرمة بمعرفة ديوان المحاسبة وعدد من المختصين في صناعة النفط والغاز، لضمان عدم تكرار هذه المخالفات مستقبلاً.
قراءة في أبعاد القضية
هذه القضية تعكس بوضوح التحديات التي يواجهها القطاع النفطي الليبي في ظل وجود ممارسات تفتقر إلى الحوكمة والشفافية، حيث تظهر العقود المبالغ فيها كأحد الأبواب الرئيسية لاستنزاف الموارد المالية دون تحقيق عوائد حقيقية. وما يزيد من تعقيد المشهد، هو ضعف أدوات الرقابة الداخلية، مما يسمح بتمرير مثل هذه الصفقات بعيدًا عن أعين الجهات الرقابية إلى أن يتم كشفها لاحقًا عبر التحقيقات القضائية.
إضافة إلى ذلك، فإن لجوء المسؤولين إلى إسناد عقود بملايين الدولارات إلى شركات حديثة التأسيس أو بلا خبرة، يثير تساؤلات حول معايير منح المشاريع في قطاع يُفترض أنه يعتمد على أعلى درجات الكفاءة والخبرة الفنية.
النيابة تحرك الملف.. ولكن ماذا بعد؟
إصدار النيابة العامة أوامر بالحبس والتحقيق لا يعني بالضرورة أن المشكلة قد انتهت، بل يفتح الباب أمام نقاش أوسع حول سبل إصلاح إدارة الشركات النفطية في ليبيا، وآليات الحوكمة التي يجب تفعيلها لضمان عدم تكرار هذه الأزمات. فالمشكلة ليست فقط في تجاوزات فردية، بل في منظومة تحتاج إلى إعادة ضبط لضمان عدم تحول القطاع النفطي إلى مصدر لإثراء الفاسدين على حساب مقدرات البلاد.
في النهاية، تبقى الكرة في ملعب الجهات التشريعية والرقابية، فإما أن تتحرك لإصلاح جذري يُعيد الثقة إلى القطاع، أو أن تستمر هذه التجاوزات كأحد أوجه الفساد المزمن الذي يهدد مستقبل الموارد النفطية الليبية.