
أخبار ليبيا 24
-
خصخصة الشركات: تحول اقتصادي أم استيلاء على مقدرات الدولة؟
-
الغويل يحذر: الخصخصة خطر يهدد النسيج الاجتماعي الليبي
-
موظفو الشركات المتعثرة في أزمة مستحقات بلا حلول واضحة
-
إصلاح الاقتصاد الليبي بين هيمنة الدولة وجموح السوق الحرة
في مشهد اقتصادي معقد يتأرجح بين محاولات الإصلاح وتحديات الواقع، يتصاعد الجدل في ليبيا حول مشروع الخصخصة، إذ تقدم مجلس المنافسة بشكوى رسمية إلى النيابة العامة مطالبًا بوقفه، معتبرًا أنه يهدد استقرار البلاد واقتصادها الهش. سلامة الغويل، رئيس مجلس المنافسة، لم يخفِ قلقه، مؤكدًا أن الخصخصة ليست مجرد إجراء اقتصادي عابر، بل قرار يعيد تشكيل موازين القوى داخل المجتمع.
الاقتصاد الليبي بين مطرقة الخصخصة وسندان الفوضى
منذ عقود، ظل الاقتصاد الليبي أسير سياسات مركزية جعلت الدولة المتحكم الأوحد في مفاصل السوق، إلا أن هذه المركزية لم تحمِ الاقتصاد من الهشاشة والتقلبات. ومع طرح مشاريع الخصخصة منذ عام 2003، تزايدت المخاوف من وقوع مقدرات الدولة في أيدي قلة تحت غطاء الإصلاح الاقتصادي. فوفقًا لتقارير حكومية، شهدت عمليات الخصخصة السابقة تعثرًا كبيرًا، حيث تم تخصيص 138 وحدة إنتاجية، لكن معظمها واجه فشلًا ذريعًا بسبب سوء الإدارة وانهيار البنية التحتية.
خصخصة أم استحواذ على الثروة؟
يرى الغويل في تصريحات صحفية رصدتها “أخبار ليبيا 24” أن الخصخصة في السياق الليبي ليست مجرد عملية اقتصادية منظمة، بل هي تحول عميق قد يضع ثروات الدولة في يد حفنة من رجال الأعمال، مما يزيد من اتساع الفجوة بين الطبقات الاجتماعية. فبينما يفترض أن تؤدي الخصخصة إلى تحسين الأداء الاقتصادي، فإن التجارب السابقة أثبتت العكس؛ إذ أدى ضعف التخطيط وسوء الإدارة إلى انهيار قطاعات حيوية، وبدلًا من تحقيق الكفاءة، تحولت بعض المنشآت إلى مجرد أصول مجمدة بلا قيمة حقيقية.
معاناة العمال بين التخصيص والتهميش
في ظل هذه التحولات، يواجه نحو 18 ألف موظف في الشركات المتعثرة أزمة مستحقاتهم المالية، وهو ما يعكس جانبًا آخر من تداعيات الخصخصة العشوائية. فمع غياب استراتيجية واضحة لحماية حقوق العمال، بات مصير هؤلاء مجهولًا، خاصة مع انعدام الضمانات التي تفرض على الشركات الجديدة الحفاظ على حقوق الموظفين. فهل تستطيع ليبيا تحقيق التوازن بين تحرير السوق وحماية مواطنيها من التداعيات السلبية؟
الدولة والاقتصاد: علاقة معقدة بين الهيمنة والانسحاب
على مدار العقود الماضية، كان القطاع العام هو المحرك الرئيسي للاقتصاد الليبي، حيث وفرت الدولة السلع والخدمات عبر مؤسساتها، رغم ما صاحب ذلك من فساد وبيروقراطية. ومع ذلك، فإن التخلي عن هذا النموذج لصالح الخصخصة دون ضمانات واضحة قد يؤدي إلى تفاقم الأزمات بدلًا من حلها. فالدولة ليست مجرد وسيط اقتصادي، بل هي الجهة التي تضمن التوزيع العادل للثروات وتحافظ على التوازن بين القطاعات المختلفة.
الخصخصة بين النظريات الاقتصادية والواقع الليبي
في النظرية الاقتصادية، تُعد الخصخصة أداة فعالة لتحسين كفاءة الإنتاج وتعزيز المنافسة، إلا أن نجاحها يعتمد على بيئة مستقرة وإطار قانوني محكم. في ليبيا، حيث تسود حالة من الانقسام السياسي والتراجع الأمني، يصبح تطبيق الخصخصة مغامرة محفوفة بالمخاطر. فهل تمتلك ليبيا القدرة على إدارة هذا التحول بطريقة تحقق النمو دون الإضرار بالنسيج الاجتماعي؟
ما بين الضرورة والتحفظ: أي طريق ستسلكه ليبيا؟
تظل الخصخصة قضية شائكة تتطلب رؤية اقتصادية متكاملة تأخذ في الاعتبار خصوصية الاقتصاد الليبي وتعقيداته. وبينما يطالب مجلس المنافسة بوقف المشروع حفاظًا على الاستقرار، يرى آخرون أن الخصخصة قد تكون الحل الوحيد للخروج من دوامة التراجع الاقتصادي. لكن في ظل غياب رؤية واضحة، تظل المخاوف قائمة، ويظل المواطن البسيط هو المتضرر الأكبر من أي قرارات تُتخذ دون دراسة كافية لمآلاتها.