
أخبار ليبيا 24
-
مهام اللجنة: مقترحات توافقية أم معالجات شكلية؟
-
تحفظات مجلس الدولة وصمت الرئاسي.. صراع مصالح؟
-
دعم دولي واسع.. هل يكفي لتجاوز العقبات؟
-
الأشتر: البعثة الأممية تتكتم على خطتها الحقيقية
اللجنة الاستشارية الأممية في ليبيا.. إصلاح حقيقي أم خطوة فارغة؟
غموض يحيط بالمبادرة الجديدة
في خطوة جديدة ضمن المساعي الأممية لحلحلة الأزمة الليبية، أعلنت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا عن تشكيل لجنة استشارية بهدف تقديم مقترحات توافقية لحل القضايا الخلافية العالقة. إلا أن هذا الإعلان، بدلاً من أن يكون محل تفاؤل واسع، أثار موجة من التساؤلات والشكوك حول طبيعة عمل اللجنة وآفاق نجاحها.
يأتي الإعلان وسط مشهد سياسي متشابك، حيث تبدو كافة المؤسسات السيادية في البلاد غارقة في صراع النفوذ، ما يجعل أي مبادرة جديدة عرضة للتحليل النقدي وحتى الرفض الضمني من بعض الأطراف. وبينما سارعت دول كبرى، مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، إلى دعم الخطوة، بدا موقف الفاعلين المحليين متباينًا بين التحفظ والصمت المطبق.
مهام محددة أم صلاحيات مقيّدة؟
بحسب بيان البعثة الأممية، فإن اللجنة الاستشارية ستعمل على تقديم مقترحات “ملائمة فنياً وقابلة للتطبيق سياسياً” بشأن القضايا العالقة، مستندة إلى المرجعيات القانونية الليبية، بما في ذلك الاتفاق السياسي وخارطة طريق ملتقى الحوار السياسي. ومع ذلك، يطرح هذا التحديد المسبق لمهام اللجنة تساؤلات حول مدى استقلاليتها وإمكانية تجاوزها للعقبات الفعلية التي تواجه العملية السياسية.
فالتجربة أثبتت أن التوافق السياسي في ليبيا ليس مجرد معادلة فنية، بل هو صراع إرادات بين أطراف محلية تسعى كل منها للحفاظ على موقعها في الخارطة السياسية. من هنا، تبرز مخاوف حقيقية من أن تتحول هذه اللجنة إلى مجرد آلية شكلية تفتقر إلى النفوذ الحقيقي لتنفيذ توصياتها.
تحفظات محلية وصمت رسمي.. ماذا يعني ذلك؟
على الصعيد الداخلي، أبدى مجلس الدولة برئاسته المتنازعة تحفظه الواضح على تشكيل اللجنة، ما يعكس انقسامًا في الموقف تجاه هذه المبادرة. في المقابل، جاء موقف المجلس الرئاسي ومجلس النواب والحكومتين المتنافستين أكثر غموضًا، حيث التزموا الصمت حيال الخطوة الأممية، ما يعكس حالة الترقب التي تسبق اتخاذ موقف حاسم.
هذا التحفظ والصمت يثيران تساؤلاً جوهريًا: هل ترى هذه المؤسسات أن اللجنة الاستشارية قد تشكل تهديدًا لمصالحها؟ أم أن الأمر لا يعدو كونه تأجيلاً متعمداً في انتظار وضوح الأجندة الأممية؟
طارق الأشتر: تشابه مع لجنة فبراير وتكتم أممي
في هذا السياق، أعرب عضو لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، طارق الأشتر، عن رؤيته المتحفظة تجاه تشكيل اللجنة، معتبرًا أن اختيار أعضائها تم عبر قنوات تواصل مع جهات محددة، ما يعني أن بعض الأطراف كان لها الحق في رفض أو قبول شخصيات معينة.
وذهب الأشتر إلى أبعد من ذلك، مشبهًا اللجنة الجديدة بلجنة فبراير التي تم تشكيلها إبان المؤتمر الوطني العام، في إشارة إلى أنها قد تكون مجرد إعادة إنتاج لنموذج سابق لم يحقق الأهداف المرجوة. كما أشار إلى أن البعثة الأممية تتكتم على تفاصيل خطتها، ما يضيف مزيدًا من الغموض إلى المشهد.
ويرى الأشتر أن أي تحفظات محلية على اللجنة لا ينبغي أن تكون مبررًا للجمود السياسي، بل يجب استغلالها كفرصة لتحريك الملف وإيجاد حلول واقعية للوضع الهش الذي تعيشه ليبيا.
دعم دولي.. هل يكفي لإنجاح المبادرة؟
رغم الترحيب الدولي بتشكيل اللجنة، فإن التجارب السابقة تؤكد أن دعم القوى الكبرى لأي مبادرة لا يعني بالضرورة نجاحها، ما لم تحظَ بتوافق داخلي حقيقي. فالتدخلات الأممية غالبًا ما تصطدم بجدار المصالح المتشابكة، حيث ترفض بعض الأطراف المحلية أي تغيير قد يؤثر على موازين القوى القائمة.
وبالنظر إلى تجربة لجان الحوار السابقة، نجد أن بعضها انتهى إلى طريق مسدود نتيجة غياب آلية تنفيذية تضمن تطبيق مخرجاته. ومن هنا، فإن التحدي الأبرز أمام اللجنة الاستشارية الجديدة لن يكون في صياغة مقترحات نظرية، بل في قدرتها على تحقيق قبول داخلي واسع، وهو أمر يبدو بالغ الصعوبة في ظل الظروف الحالية.
السيناريوهات المحتملة لمستقبل اللجنة
في ظل هذا المشهد المعقد، يمكن رسم عدة سيناريوهات لمستقبل اللجنة:
- نجاح محدود مشروط: في حال تمكنت اللجنة من تقديم مقترحات تحظى بقبول نسبي من مختلف الأطراف، فقد تلعب دورًا في تقريب وجهات النظر، ولو بشكل محدود، تمهيدًا لاتفاق أشمل.
- فشل سريع: إذا استمر التكتم الأممي وازدادت التحفظات المحلية، فقد ينتهي الأمر إلى إجهاض اللجنة قبل أن تبدأ عملها الفعلي، مثلما حدث مع مبادرات سابقة.
- تحويلها إلى أداة ضغط دولي: قد تستخدم القوى الكبرى اللجنة كورقة ضغط على الأطراف المحلية لفرض حلول معينة، وهو سيناريو قد يواجه رفضًا قويًا من بعض الفاعلين.
يبدو أن تشكيل اللجنة الاستشارية الأممية في ليبيا هو خطوة أخرى ضمن سلسلة طويلة من المحاولات لإحداث اختراق في الجمود السياسي القائم. إلا أن نجاحها مرهون بقدرتها على تجاوز التعقيدات المحلية وتقديم حلول واقعية قابلة للتنفيذ. وبينما يرى البعض أنها قد تكون مجرد إعادة إنتاج لنماذج سابقة لم تحقق نتائج تُذكر، فإن آخرين يأملون في أن تشكل نافذة جديدة للخروج من النفق السياسي المظلم الذي تعيشه البلاد منذ سنوات. في كل الأحوال، الأيام القادمة وحدها كفيلة بكشف المسار الذي ستسلكه هذه اللجنة، وما إذا كانت بالفعل قادرة على إحداث فرق حقيقي في المشهد الليبي المضطرب.