المسجد العتيق بأوجلة.. جوهرة معمارية في قلب الصحراء
عراقة تمتد لقرون.. كنز معماري يروي تاريخ ليبيا

أخبار ليبيا 24
-
تصميم يحاكي الطبيعة.. المسجد العتيق يستلهم من الشمس والهواء
-
قباب مخروطية وأبواب تسعة.. تفاصيل تنبض بسحر التاريخ
-
منبر غائر وأعمدة شامخة.. عبق العمارة الإسلامية في أوجلة
-
ترميم دون ترويج.. تحفة أثرية تنتظر اهتمام العالم
المسجد العتيق بأوجلة.. تحفة الصحراء المنسية
وسط صحراء ليبيا الكبرى، حيث الرمال تمتد بلا نهاية، يتوارى سرٌّ معماري مذهل خلف الزمن، جامعًا بين البساطة المهيبة والعبقرية الهندسية.. إنّه المسجد العتيق بأوجلة، كنز أثري صامد منذ القرن الثاني عشر، يحكي بصمته المعمارية قصصًا أقدم من عمره، ويروي للتاريخ حكايات مدينة احتضنت الإسلام منذ لحظاته الأولى.
هذا المسجد ليس مجرد مكان للصلاة، بل تحفة فنية تنسج علاقة فريدة بين الضوء والهواء والحجر، حيث تتناغم قبابه المخروطية مع شمس الصحراء، فتغمر أروقته بنور طبيعي متغير على مدار اليوم، بينما تسمح جدرانه السميكة وفتحات التهوية بوصول نسائم معتدلة، تجعله ملاذًا باردًا في قلب القيظ.

ورغم مرور أكثر من ثمانية قرون على بنائه، لا يزال المسجد العتيق قائمًا كشاهد على عبقرية التصميم الإسلامي، بواجهاته المشيدة من الطوب اللبن والحجر الجيري، وأعمدته الصلبة التي تتخللها تسعة أبواب تمنح الداخل إحساسًا بالاتساع والسكينة. يجاور المحراب منبر غائر، وهو تصميم نادر تتشابه ملامحه مع مساجد شرق إفريقيا وشبه الجزيرة العربية، ما يعكس التأثيرات الإباضية في فن العمارة الديني آنذاك.

العبقرية المعمارية المخبأة في الرمال
المسجد يغطي 400 متر مربع من المدينة القديمة، وسقفه المرصع بـ21 قبة مخروطية، ليست مجرد زينة بصرية، بل عنصر أساسي في ضبط الحرارة الداخلية، حيث تتحول جدرانه السميكة إلى درع طبيعي يحمي من تقلبات المناخ القاسية. إنها إحدى روائع التكيف المعماري مع البيئة الصحراوية، حيث تحاكي أساليب التهوية طبيعة الواحة المحيطة، وتخلق مناخًا داخليًا فريدًا من نوعه.
تاريخ يروى دون كلمات
حينما تطأ قدماك هذا المكان، ستشعر أن الزمن توقف. فالمسجد العتيق لم يكن يومًا مجرد مبنى، بل قطعة حيّة من تاريخ أوجلة، مدينة العلماء والتجار والرحالة، حيث كانت الواحة نقطة استراحة للقوافل العابرة من الشمال إلى أعماق إفريقيا. فتح المسلمون هذه المنطقة في عهد عبد الله بن سعد بن أبي السرح، ومنذ ذلك الحين باتت مركزًا مزدهرًا لنشر الإسلام.

وفي الوقت الذي زالت فيه معالم عديدة من العصور الوسطى، لا يزال هذا المسجد يقف شامخًا، رغم أنه لم ينل نصيبه العادل من الاهتمام والترويج. تم ترميمه في مطلع ثمانينيات القرن العشرين، لكنه لا يزال بعيدًا عن قوائم الوجهات السياحية التي تستقطب الزوار.

وجهة سياحية تنتظر الاكتشاف
أوجلة ليست مجرد واحة منعزلة، بل مدينة تحكي بملامحها قصص القرون الماضية، والمسجد العتيق هو جوهرتها الأبرز. إنها وجهة مثالية لعشاق التاريخ والعمارة الفريدة، حيث يمكن للزائر أن يتجول بين أعمدته، ويشاهد كيف استطاع البنّاؤون القدامى تطويع الحجر والطين ليخلقوا هذا الصرح الخالد.

في عصر باتت فيه الوجهات السياحية تتنافس على تسليط الضوء على معالمها التراثية، قد يكون المسجد العتيق فرصة ذهبية لليبيا لتضعه على خارطة السياحة العالمية، فهو ليس مجرد مكان، بل قصة تُحكى من خلال كل قبة وكل جدار.. فقط بانتظار من يسمعها.