الأخبارإقتصادتقارير

أزمات الاقتصاد الليبي.. تناقص الإيرادات وارتفاع الإنفاق

مصير العملة الليبية بين سياسات المركزي وتحديات الواقع

أخبار ليبيا 24

  • تراجع عائدات النفط.. أرقام تكشف الأزمة المالية
  • التصاعد المستمر في الإنفاق.. هل يفاقم العجز؟
  • توزيع السيولة.. أسئلة دون إجابات من المصرف المركزي
  • ميزان المدفوعات الليبي: تاريخ متكرر من العجز

مصير الاقتصاد بين تناقص الإيرادات وتضخم النفقات

على مدار السنوات الثلاث الأخيرة، وقف الاقتصاد الليبي في مواجهة عاصفة من التحديات المالية التي جعلت من توازن الإيرادات والمصروفات هدفًا بعيد المنال. من خلال أرقام صادمة قدمها مصرف ليبيا المركزي حول إيرادات الدولة ونفقاتها، تبدو الصورة القاتمة للاقتصاد واضحة تمامًا: الإيرادات تتراجع بثبات، بينما تتصاعد المصروفات بلا هوادة، لتضع مستقبل ليبيا الاقتصادي على المحك.

تناقص الإيرادات.. عائدات النفط في مأزق

تمثل عائدات تصدير النفط شريان الحياة للاقتصاد الليبي. ولكن، ومع كل عام يمر، تتآكل هذه العائدات بشكل ملحوظ. ففي عام 2022، بلغت الإيرادات النفطية 27.304 مليار دولار، لتتراجع إلى 25.354 مليار دولار في 2023، ثم تصل إلى 18.604 مليار دولار فقط في 2024. هذه الأرقام تدق ناقوس الخطر: لماذا تتراجع الإيرادات بهذا الشكل الحاد؟ هل هناك مشكلات تتعلق بالإنتاج، أم أن العوامل الخارجية مثل التقلبات في أسعار النفط العالمية هي المتهم الرئيسي؟

الأرقام لا تكذب، ولكنها أيضًا لا تروي القصة كاملة. تناقص الإيرادات النفطية يعكس أزمة أعمق تتعلق بالإدارة الاقتصادية وضعف التخطيط طويل الأجل. فلا يمكن لأي اقتصاد يعتمد بشكل شبه كلي على النفط أن يستمر في مواجهة أزمات السوق العالمية دون أن يدفع ثمنًا باهظًا.

ارتفاع المصروفات.. سياسة إنفاق خارج السيطرة

بينما تتراجع الإيرادات، تتصاعد المصروفات بشكل غير مبرر. في عام 2022، بلغ الإنفاق 20.606 مليار دولار، ولكنه ارتفع إلى 26.446 مليار دولار في 2023، ثم إلى 27.029 مليار دولار في 2024. هذه الأرقام تعكس سياسة إنفاق تبدو منفصلة عن الواقع المالي للدولة، ما يثير تساؤلات حول أولويات الحكومة ومدى قدرتها على ضبط الإنفاق.

عندما يكون الإنفاق بالعملة الأجنبية في تصاعد، بينما الإيرادات تتراجع، يكون ميزان المدفوعات هو الضحية الأولى. هذا العجز الذي استمر لثلاث سنوات متتالية يعيد إلى الأذهان “السنوات العجاف” 2014-2016، حين عصفت الأزمات السياسية والاقتصادية بليبيا.

تناقص الإيرادات النفطية وزيادة الإنفاق يفاقمان عجز ميزان المدفوعات في ليبيا. تساؤلات حول بيانات المصرف المركزي تتطلب شفافية وإصلاحات عاجلة.
تناقص الإيرادات النفطية وزيادة الإنفاق يفاقمان عجز ميزان المدفوعات في ليبيا. تساؤلات حول بيانات المصرف المركزي تتطلب شفافية وإصلاحات عاجلة.

أسئلة حول السيولة النقدية.. لغز المصرف المركزي

في بيانه الأخير، أشار المصرف المركزي إلى أنه تم توزيع سيولة نقدية بقيمة 67.7 مليار دينار لفروع المصارف التجارية في مختلف المدن الليبية. لكن، كما أشار الأستاذ عطية الفيتوري، تظل هذه العملية محاطة بالغموض. إذا كانت العملة المصدرة من المصرف المركزي في نهاية عام 2023 لا تتجاوز 47.6 مليار دينار، فمن أين جاء هذا الضخ الهائل للسيولة؟

هل لجأ المصرف المركزي إلى طباعة نقود جديدة؟ إذا كان الأمر كذلك، فإن هذا يعني زيادة في حجم العملة المصدرة، وهو ما لم يظهر في البيانات الرسمية. هذه الفجوة في المعلومات تجعل من الصعب تصديق البيانات الصادرة عن المصرف، وتثير تساؤلات حول مدى دقتها.

التداعيات الاقتصادية والاجتماعية

الأزمات الاقتصادية لا تظل محصورة في نطاق الأرقام والتقارير الرسمية؛ بل تمتد آثارها إلى حياة المواطنين اليومية. تناقص الإيرادات وارتفاع المصروفات يؤديان إلى تضخم الأسعار، وتراجع قيمة العملة المحلية، وزيادة معدلات البطالة.

من جهة أخرى، يؤدي العجز المستمر في ميزان المدفوعات إلى استنزاف احتياطيات الدولة من النقد الأجنبي، مما يجعلها أكثر عرضة للأزمات الاقتصادية المفاجئة.

ما الحل؟ نظرة إلى المستقبل

يعتقد أستاذ الاقتصاد بجامعة بنغازي، الدكتور عطية الفيتوري، في منشور له عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” رصدته “أخبار ليبيا 24” أن الوضع الحالي يتطلب تدخلًا سريعًا من قبل الجهات المختصة. معالجة التناقض بين الإيرادات والمصروفات ليست مجرد خيار، بل هي ضرورة ملحة. يجب أن يبدأ الإصلاح بإعادة النظر في أولويات الإنفاق الحكومي، والتركيز على الاستثمار في القطاعات الإنتاجية التي يمكن أن تسهم في تنويع مصادر الدخل.

كما أن الشفافية في البيانات الصادرة عن المصرف المركزي هي خطوة أساسية نحو بناء الثقة مع المواطنين والمجتمع الدولي. من المهم أن تكون هذه البيانات دقيقة وتعبر عن الواقع الاقتصادي الحقيقي، بعيدًا عن أي تضليل أو غموض.

في الختام، فإن الأزمات الاقتصادية التي تواجهها ليبيا ليست وليدة اللحظة، بل هي نتيجة لتراكمات طويلة من سوء الإدارة والتخطيط. ولكن، مع وجود إرادة سياسية حقيقية وإدارة اقتصادية واعية، يمكن تجاوز هذه التحديات وبناء مستقبل اقتصادي أكثر استقرارًا وازدهارًا.

المزيد من الأخبار

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى