من قيادة الجيش إلى الرئاسة.. جوزيف عون بين المطرقة والسندان

جوزيف عون رئيسًا للبنان.. اتفاق نادر بعد جمود طويل

أخبار ليبيا 24

“من قائد الجيش إلى رئيس الجمهورية.. هل يكون جوزيف عون عنوان التغيير في لبنان؟”

بعد أكثر من عامين من الجمود السياسي، شهد لبنان حدثًا استثنائيًا طال انتظاره؛ انتخاب قائد الجيش العماد جوزيف عون رئيسًا جديدًا للجمهورية. جلسة البرلمان اللبناني التي عُقدت وسط أجواء مشحونة بالتوتر والتكهنات، حملت معها بارقة أمل في بلد يعاني أزمات متشابكة تهدد وجوده. لكن السؤال الأهم: هل يكون عون الرئيس الذي يعيد ترتيب البيت اللبناني؟

صعود جوزيف عون.. قائد ميداني وسياسي محنك

ينتمي جوزيف عون إلى الطائفة المارونية، كما يفرض العرف السياسي في لبنان. ولد عام 1964 في بلدة العيشية الجنوبية، وانضم إلى الكلية الحربية عام 1983، حيث تخرج برتبة ملازم عام 1985. شق طريقه في الجيش بخطى ثابتة، وصولًا إلى منصب قائد الجيش في 2017.

طوال فترة قيادته للجيش، واجه عون أزمات كبرى، منها معركة الحدود الشرقية ضد تنظيم داعش عام 2017، وأحداث الاحتجاجات الشعبية عام 2019 التي شهدت مواجهة بين الجيش والمحتجين في شوارع العاصمة بيروت ومدن أخرى.

هذه التجارب جعلت من عون شخصية محورية في الحياة السياسية اللبنانية، لكن انتقاله من قيادة الجيش إلى قصر بعبدا يمثل تحديًا جديدًا تمامًا.

كيف تحقق التوافق على انتخابه؟

انتخاب جوزيف عون جاء بعد سلسلة من المشاورات السياسية المكثفة. فبعد أكثر من عامين من الشغور الرئاسي، بدت القوى السياسية مضطرة للاتفاق على مرشح توافقي يحظى بدعم داخلي وخارجي.

حصل عون على 99 صوتًا في البرلمان، وهو ما يعكس اتفاقًا نادرًا بين القوى المختلفة التي عادة ما تختلف حول كل صغيرة وكبيرة.

التوافق لم يكن داخليًا فقط؛ فقد لعبت الضغوط الخارجية دورًا حاسمًا. فبحسب محللين، دعمت كل من الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية ترشيح عون، بينما لم تظهر إيران اعتراضًا صريحًا على ترشيحه.

تحديات تعديل الدستور

على الرغم من انتخابه، فإن جوزيف عون سيحتاج إلى تعديل دستوري لتولي منصبه. الدستور اللبناني يمنع الموظفين العموميين من تولي مناصب سياسية دون استقالتهم قبل عامين على الأقل.

تعديل الدستور في لبنان ليس بالأمر البسيط، ويحتاج إلى توافق سياسي لا يبدو مضمونًا. ورغم ذلك، يتوقع المراقبون أن يتم تجاوز هذا العقبة نظرًا لحجم التحديات التي تواجه لبنان وحاجة الجميع إلى رئيس قادر على إدارة المرحلة المقبلة.

التحديات أمام الرئيس الجديد

  1. الأزمة الاقتصادية:
    لبنان يعيش واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية في تاريخه الحديث. انهيار العملة الوطنية، وارتفاع معدلات التضخم، وغياب الاستثمارات الدولية تجعل الاقتصاد اللبناني في وضع حرج للغاية.الرئيس الجديد تعهد بالعمل على حماية أموال المودعين، لكن هذا يتطلب إصلاحات هيكلية كبيرة، من إعادة هيكلة القطاع المصرفي إلى تعزيز استقلالية البنك المركزي.
  2. الأزمة السياسية:
    يعاني لبنان من نظام سياسي طائفي يعوق اتخاذ القرارات الكبرى. عون يحتاج إلى بناء توافق داخلي قوي، وهي مهمة ليست بالسهلة في ظل الانقسامات الحالية.
  3. ملف الجنوب والسلاح:
    أحد أبرز الملفات التي تنتظر عون هو ضبط الأوضاع في الجنوب اللبناني. إذ تحتاج البلاد إلى توازن دقيق بين الحفاظ على السيادة الوطنية والالتزام بالاتفاقيات الدولية.
  4. إعادة الإعمار:
    من إعادة بناء البنية التحتية المتدهورة إلى ترميم الاقتصاد، سيكون على عون إدارة واحدة من أكبر عمليات إعادة الإعمار في تاريخ لبنان الحديث.

الدعم الدولي.. نعمة أم نقمة؟

انتخاب جوزيف عون لقي ترحيبًا واسعًا من القوى الدولية. الولايات المتحدة وصفت انتخابه بـ”الخطوة الإيجابية”، وفرنسا أشارت إلى ضرورة تنفيذ إصلاحات اقتصادية عاجلة.

لكن الدعم الدولي قد يتحول إلى عبء إذا لم يستطع عون تحقيق توازن بين مطالب القوى الخارجية واحتياجات الداخل اللبناني.

آمال الشعب وثقل المسؤولية

يرى كثير من اللبنانيين في عون فرصة حقيقية للتغيير، لكنه سيواجه ضغطًا هائلًا لتحقيق وعوده. من إعادة بناء الثقة بين الشعب والدولة إلى إدارة الملفات السياسية الشائكة، الطريق أمامه مليء بالعقبات.

ومع ذلك، فإن انتخابه يمثل لحظة نادرة من الإجماع، وهو ما قد يمنحه فرصة للبدء من موقع قوة.

جوزيف عون.. رئيس بين المطرقة والسندان

جوزيف عون يقف اليوم على أعتاب مرحلة تاريخية في مسيرته وفي تاريخ لبنان. نجاحه يعتمد على قدرته على تحويل التحديات إلى فرص، وعلى تعاون القوى السياسية والمجتمع الدولي معه.

بينما ينتظر اللبنانيون خطواته الأولى، يبقى السؤال: هل يتمكن عون من استغلال هذه الفرصة النادرة لتحقيق تغيير حقيقي، أم أن التحديات ستكون أكبر من قدرته على المواجهة؟ فقط الزمن سيكشف الإجابة.

Exit mobile version