تأبط شرًّا.. شاعر الصعاليك بين الأسطورة والحقيقة
تأبط شرًّا هو ثابت بن جابر الفهمي، شاعر جاهلي صعلوك

أخبار ليبيا 24
-
“من هو تأبط شرًّا؟ شاعر الغموض والتمرد”
-
“ثابت بن جابر: صعلوك العصر الجاهلي وأسطورة الشجاعة”
-
“قصائد تأبط شرًّا: ثورة أدبية تتحدى أعراف الجاهلية”
-
“أساطير وأسماء: كيف وُلد لقب تأبط شرًّا؟”
“تأبط شرًّا: صعلوك الثورة وشاعر التمرد الجاهلي”
في زاوية منسية من التاريخ، تقبع حياة شاعر كان مزيجًا من الجرأة والأسطورة، يُدعى ثابت بن جابر الفهمي، لكنه عرف بلقب تخلده الألسن: “تأبط شرًّا”. عاش هذا الصعلوك المتمرد في مجتمع جاهلي تحكمه أعراف قاسية وقوانين قبَلية صارمة، لكنه رفض الانصياع وقرر أن يكون صوتًا لمن لا صوت لهم، ثائرًا بشعره وسيفه ضد الظلم الاجتماعي.
النشأة وتشكيل الملامح الأولى للصعلكة
ولد تأبط شرًّا في تهامة والحجاز، في زمن كانت فيه القبائل تعيش حياة تقوم على التفاخر والتناحر، حيث كان الانتماء للقبيلة أشبه بدرعٍ اجتماعي. لكنه نشأ يتيمًا فقيرًا، مما حرمه من هذه الحماية وتركه يواجه الحياة بيديه العاريتين. تقول الروايات إن أمه تزوجت بعد وفاة والده من أبي كبير الهذلي، وهي علاقة قيل إنها دفعت الشاعر الصغير لمحاولة قتله بإيعاز من والدته.
كانت هذه البداية القاسية هي البذرة التي أنبتت صعلوكًا مختلفًا. فقد رفض تأبط شرًّا الاستسلام للفقر وظلم المجتمع، وتحول إلى حياة التمرد التي ميزت الصعاليك في العصر الجاهلي.
لقب “تأبط شرًّا”: أسطورة ولدت من الجرأة
من أين جاء لقب تأبط شرًّا؟ تعددت الروايات حول هذه التسمية، وكل واحدة منها تزيده غموضًا وجاذبية. يقال إنه قتل غولًا وحمله تحت إبطه، فأطلق عليه هذا الاسم. وهناك من يقول إن والدته طلبت منه شيئًا نادرًا، فجاءها بحقيبة مليئة بالأفاعي، مما دفعها للصراخ قائلة: “تأبطت شرًّا”.
ومهما يكن أصل التسمية، فإن اللقب يعكس شخصية فريدة، تجرأت على مواجهة ما هو غريب وخطير دون خوف.
بين الشعر والتمرد: ثورة على القبيلة والقصيدة
كان تأبط شرًّا ليس فقط صعلوكًا محاربًا بل شاعرًا مبدعًا. صقلته قسوة الحياة، فجاءت قصائده حادة كنصل السيف، تفيض بمشاعر متناقضة بين اليأس والأمل، الفقر والكرامة، والقوة والهزيمة. لم يلتزم بالشعر التقليدي، بل كسر قواعد القصيدة الجاهلية وابتعد عن المدح والطلاليات، ليخلق نمطًا أدبيًا يعبر عن واقعه كصعلوك متمرد.
في قصيدته الشهيرة، يظهر تأبط شرًّا كشاعر ينشد الصحبة الحقيقية، واصفًا الصديق المثالي بمفردات تمزج الحكمة بالقوة. لكن المفردات التي استخدمها كانت غريبة وصعبة، تعكس طبيعة الحياة القاسية التي عاشها.
السرعة والشجاعة: مواصفات أسطورية
اشتهر تأبط شرًّا بسرعته الخارقة التي جعلته يُلقب بـ”أعدى ذي رجلين”. كان يعدو في الصحراء، يطارد الظباء ويصطادها بسهولة، مما أضاف إلى أسطورته كشخص يملك قدرات غير عادية.
إلى جانب سرعته، عُرف بشجاعته التي لا تضاهى. تقول إحدى الحكايات إنه قابل رجلاً سأله عن سبب تغلبه على خصومه رغم قصر قامته، فأجابه بجرأة: “أذكر أنني تأبطت شرًّا، فينخلع قلبه”.
بين الأسطورة والحقيقة: نهاية تأبط شرًّا
مثل حياته، كانت وفاة تأبط شرًّا محاطة بالغموض. تقول روايات إنه مات بلدغة أفعى، بينما تذكر أخرى أنه قُتل بسهم. لكن المؤكد أنه لم يغادر الحياة إلا وقد ترك بصمة لا تُمحى في تاريخ الأدب الجاهلي، مخلدًا اسمه كشاعر رفض الخضوع وسعى لإعادة تعريف الشجاعة والتمرد.
تأبط شرًّا: الصعلوك الذي ألهم الأجيال
رغم مرور أكثر من 1400 عام على وفاته، ما زال تأبط شرًّا رمزًا للثورة والحرية. كان شاعرًا تخطى قيود الزمن، وحمل حلمًا بسيطًا ولكنه شاق: أن تكون للضعفاء كلمة، وللفقراء صوت.
في قصائده وأفعاله، يجد القارئ دعوة للنظر أبعد من الظاهر، للبحث عن معاني الحياة في مواجهة القسوة والتحديات. كان تأبط شرًّا، وما زال، صوتًا يذكرنا بأن الشجاعة ليست في القوة الجسدية فقط، بل في الإصرار على تحدي المستحيل.