أخبار ليبيا 24
-
الأمم المتحدة: تطهير الألغام في ليبيا يتطلب عملاً جباراً
-
أكثر من 444 مليون متر مربع ملوث بالألغام
-
الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الألغام تضع أولى خطوات الحل
-
توعية المواطنين أولوية لحماية الفئات الأكثر عرضة للخطر
تطهير الألغام في ليبيا.. تحدٍ وطني يتطلب التزاماً دولياً ومحلياً
تواجه ليبيا واحدة من أكبر التحديات في تاريخها الحديث، حيث تتطلب عمليات تطهير الألغام ومخلفات الحروب جهوداً مضنية قد تمتد لخمسة عشر عاماً، وفقاً لتصريحات مديرة دائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام في ليبيا، فاطمة زريق. وأكدت زريق أن التخلص من هذه المخاطر يتطلب تعاوناً محلياً ودولياً مع تطوير استراتيجيات مدروسة تشمل كافة قطاعات المجتمع، بدءاً من المواطنين حتى الفرق العسكرية المختصة.
مساحات واسعة ملوثة بمخلفات الحروب
تصاعدت التحديات الأمنية في ليبيا بعد سنوات من النزاعات المسلحة، التي خلفت مساحات شاسعة تقدر بأكثر من 444 مليون متر مربع ملوثة بالألغام. هذه المناطق الملوثة تشكل تهديداً حقيقياً لآلاف المدنيين، وتفرض قيوداً على المناطق المحيطة بها، حيث تحيل دون تنقلهم بحرية وتعرقل مشاريع التنمية المحلية. وتعد معالجة هذه المشكلة مهمة جسيمة نظراً لانتشار المخلفات في مناطق مختلفة تشمل بنغازي وسرت ومصراتة وغيرها من المدن الليبية.
دور الاستراتيجية الوطنية في معالجة التحدي
في محاولة لتخفيف آثار الأزمة، تم تطوير الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الألغام بالتعاون بين المركز الليبي للأعمال المتعلقة بالألغام والأمم المتحدة، وهي تسعى إلى تعزيز الجهود المنظمة في هذا المجال. تُركز الاستراتيجية على تنفيذ حملات توعية مكثفة تهدف إلى تعليم المجتمعات الليبية كيفية التعامل مع مخلفات الحرب، وتستهدف بوجه خاص الأطفال والعمال الوافدين، نظراً لأنهم يشكلون الفئات الأكثر عرضة للخطر.
وأشار تقرير مركز إعلام الأمم المتحدة إلى أن هذه الاستراتيجية تعتمد على التعاون الشامل بين مختلف الجهات الحكومية وغير الحكومية. ويؤكد هذا التعاون على أهمية الوحدة في مواجهة هذا التحدي الذي يتجاوز القدرات الفردية، ويستلزم شراكات فعالة بين كافة الأطراف لضمان تحقيق النتائج المرجوة.
المشاركة الدولية والمحلية: ضرورة لمواجهة المخاطر
تحقيق الأهداف المأمولة لن يكون ممكناً دون تدخل الشركاء الدوليين والمنظمات الإنسانية المختصة، التي تساهم بخبراتها ومواردها في دعم عمليات إزالة الألغام. وقد أشارت زريق إلى أن التعاون مع المنظمات الدولية والمحلية يعزز من فاعلية الاستراتيجية الوطنية ويمنحها زخماً إضافياً، حيث تم إطلاق ورشات عمل في تونس والتخطيط لعقد لقاءات مماثلة في طرابلس ومناطق أخرى.
ولا يقتصر التعاون على المنظمات الدولية، بل يشمل كذلك المؤسسات المحلية مثل فرق الهندسة العسكرية التابعة لوزارة الدفاع، التي تلعب دوراً أساسياً في إزالة الألغام وتأمين المناطق المتضررة. ويمثل هذا التعاون نموذجاً للعمل الجماعي الذي يتطلب التنسيق المتواصل لتحقيق أهداف التنمية والسلام.
التوعية المجتمعية: محور الاستراتيجية لحماية المدنيين
تعد التوعية المجتمعية جزءاً أساسياً من الاستراتيجية الوطنية، وتهدف إلى تعزيز فهم المواطنين لمخاطر الألغام وكيفية تجنبها. فقد بات من الضروري توجيه حملات توعية تستهدف فئات المجتمع المختلفة، من خلال الشراكة مع المنظمات المدنية والمجتمعات المحلية لضمان وصول الرسالة إلى أكبر شريحة من الناس.
تشمل هذه الحملات توزيع منشورات وتقديم محاضرات توعوية، إضافة إلى إقامة ندوات تنظمها الجهات المحلية بالتعاون مع المنظمات الدولية. وقد أكدت زريق على أهمية تعاون المواطنين أنفسهم في هذا الصدد، حيث إن المشاركة المجتمعية تُعد عنصراً حاسماً في حماية الفئات الأكثر عرضة للخطر، وخاصة الأطفال الذين قد يكونون أكثر عرضة لمخاطر الألغام أثناء اللعب أو التجول في المناطق المفتوحة.
تحديات أمام التنفيذ واستمرار التنسيق الفعّال
ورغم الجهود المبذولة، تظل عملية إزالة الألغام معقدة وشاقة في ظل التحديات السياسية والأمنية التي تعصف بالبلاد. ويحتاج تنفيذ الاستراتيجية الوطنية إلى قدر كبير من التنسيق بين مختلف الجهات الفاعلة على الأرض، حيث تتطلب عمليات تطهير الألغام توافر الموارد المالية والبشرية، بالإضافة إلى دعم تقني وتكنولوجي متطور.
وقد أعربت زريق عن أملها في أن يتم تعزيز التنسيق مع الجهات المختصة في المدن الليبية الأخرى، مثل مصراتة وبنغازي وسرت، حيث يمتد وجود الألغام إلى مناطق واسعة في مختلف أنحاء البلاد. كما أن توسيع نطاق عمليات التوعية ليشمل المناطق النائية والريفية بات ضرورياً نظراً لوجود عدد من الألغام المنتشرة في أراضٍ بعيدة عن المراكز السكانية الكبرى.
يظل الأمل قائماً في نجاح الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الألغام في ليبيا، حيث تعكس هذه الجهود إرادة جماعية نحو استعادة السلام وتطوير البنية التحتية للبلاد. ورغم أن الطريق طويل وشاق، فإن التفاؤل يظل قائماً في تحقيق تقدم ملموس إذا استمر التعاون بين المواطنين والجهات الحكومية والمنظمات الدولية. إن التحديات جسيمة، ولكن بفضل هذه الجهود المنسقة، قد تشهد ليبيا في المستقبل تحريراً كاملاً من تهديد الألغام ومخلفات الحروب، ما سيتيح للمجتمع فرصة العودة إلى حياة طبيعية وآمنة.