
أخبار ليبيا 24
-
مقطع مصور يوثق اعتداء عنيف لعناصر الشرطة في طرابلس
-
ردود فعل غاضبة: انتقادات حادة ضد الأجهزة الأمنية الليبية
-
مدير حقوق الإنسان يطالب بمحاسبة المتورطين في حادثة الاعتداء
-
مديرية الأمن تبرر: السائق والمرافق بادرا بالاعتداء على الشرطة
الشرطة في مرمى النقد بعد اعتداء موثّق على مواطن في طرابلس
أثار مقطع فيديو انتشر بشكل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي في ليبيا ضجة كبيرة، حيث أظهر مشاهد صادمة لعناصر من الشرطة يقومون بالاعتداء على مواطن في طرابلس. الحادثة، التي سُجلت في وضح النهار وفي وسط شارع عام، أدّت إلى غضب واسع وانتقادات حادة موجهة ضد الأجهزة الأمنية، ما فتح باباً واسعاً للجدل حول مهنية الشرطة الليبية وسلوكيات عناصرها.
مشاهد الاعتداء: فيديو يُشعل الغضب
المقطع المصور، الذي تداوله رواد مواقع التواصل رواد مواقع التواصل بسرعة فائقة، أظهر أربعة رجال شرطة يرتدون الزي الرسمي، وهم يسحبون مواطناً ليبياً بشكل عنيف إلى سيارتهم قبل أن يقوموا بطرحه أرضاً ويواصلون توجيه اللكمات والركلات إليه. هذه المشاهد التي وصفها كثيرون بـ”الوحشية”، أثارت غضباً واستياءً واسعاً في أوساط الليبيين الذين شاهدوا ما حدث، واعتبروا ذلك بمثابة مؤشر خطير على “توحش” الأجهزة الأمنية وتراجع مستوى الحماية القانونية للمواطنين.
“هذه تصرفات ميليشيات وليست شرطة”
الكثير من الليبيين لجأوا إلى صفحاتهم على مواقع التواصل للتعبير عن استيائهم من سلوكيات عناصر الشرطة. من بين تلك التعليقات، كتب صالح الجلادي، “هذه تصرّفات المليشيات بعدما لبست زي الشرطة وتدعي بأنها رجال أمن”. فبالنسبة له، ما حدث يعكس غياب الاحترافية المهنية والانزلاق الخطير لبعض عناصر الشرطة نحو سلوكيات تشبه تصرفات الميليشيات، وليس الجهات التي يفترض بها أن تحمي المواطن وتفرض سيادة القانون.
بين النقد والتبرير
في المقابل، شهدت بعض التعليقات محاولات لتبرير ما حدث. المدوّن ناصر، على سبيل المثال، اعتبر أن المواطن المعتدى عليه هو من استفز الشرطة قائلاً: “من المفترض أن يسلم نفسه ويحترم الشرطة ويصعد السيارة دون مقاومة أو رفض”. بالنسبة له، فإن المقاومة التي أبداها السائق ومرافقه هي ما دفع الشرطة لاستخدام القوة، مشيراً إلى أنه من الطبيعي أن ترد الشرطة بهذه الطريقة في حال عدم احترام الأوامر.
لكن هذا التبرير لم يكن مقبولاً عند الجميع. عبد الفتاح التائب، أحد المعلقين على الحادثة، ردّ قائلاً: “مهما كان خطأ صاحب السيارة، هذا لا يبرر العنف والضرب لشخص أعزل بدلاً من تقييد يديه واعتقاله بطريقة أكثر آدمية”.
حقوق الإنسان تدق ناقوس الخطر
رداً على هذه الحادثة، أصدر مدير المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، أحمد حمزة، بياناً شديد اللهجة يصف فيه ما حدث بـ”الواقعة المشينة”، مؤكداً أن هذه الحادثة تشكل جرائم يعاقب عليها القانون وفقاً لأحكام قانون العقوبات الليبي. حمزة شدد على أن ما قام به عناصر الشرطة يدخل في إطار إساءة استعمال السلطة والتعذيب، وهو ما يتطلب تدخلاً سريعاً من مكتب النائب العام ووزارة الداخلية للتحقيق وضمان محاسبة المسؤولين.
حمزة لم يتوقف عند حد النقد، بل طالب بتفعيل منشور وزير الداخلية رقم (1) لسنة 2024، والذي يؤكد على ضرورة احترام حقوق الإنسان أثناء القبض على المتهمين، وهو ما لم يُلتزم به في هذه الحادثة. بالنسبة له، فإن ما حدث ليس مجرد تجاوز فردي، بل مؤشر على خلل عميق في أداء الأجهزة الأمنية الليبية.
موقف مديرية الأمن: تبرير وأفعال أحادية
بعد تصاعد حدة الغضب الشعبي، أصدرت مديرية الأمن بالعاصمة طرابلس بياناً توضيحياً في محاولة لامتصاص الاحتقان. البيان أكد أن الحادثة بدأت بخلاف بين دورية للشرطة كانت تقوم بتأمين مرور موكب وفد رسمي من الاتحاد الإفريقي، وبين سائق المركبة الذي تسبب في حادث سير. وفقاً للبيان، فإن مرافق السائق هو من اعتدى أولاً على عناصر الشرطة بالضرب والسب، مما اضطرهم للدفاع عن أنفسهم.
إلا أن المديرية لم تتوقف عند هذا الحد، حيث أكدت أن ما حدث من تجاوزات هو أفعال أحادية الجانب لا تمثل سياسة المديرية ولا توجهاتها. البيان شدد على أن المديرية اتخذت إجراءات تأديبية بحق العناصر المتورطة، واعتبرت أن مثل هذه السلوكيات تشوه صورة الجهاز الأمني الذي يعمل على فرض النظام وحماية الممتلكات.
أزمة الثقة في الأجهزة الأمنية الليبية
الحادثة فتحت باب النقاش واسعاً حول أزمة الثقة المتزايدة بين المواطن الليبي وأجهزة الأمن. فهذه ليست المرة الأولى التي تتعرض فيها الشرطة لانتقادات لاذعة بسبب استخدام العنف المفرط. بل إن هذه الحادثة تأتي في سياق سلسلة من التجاوزات التي تسجلها المنظمات الحقوقية والمراقبون حول سلوكيات الأجهزة الأمنية في ليبيا، والتي تتراوح بين سوء المعاملة، الاعتداءات الجسدية، والإفراط في استخدام القوة.
على الرغم من محاولات الأجهزة الأمنية الليبية تحسين صورتها أمام الرأي العام من خلال بيانات التبرير والإجراءات التأديبية، إلا أن انعدام الثقة يبدو أنه يزداد تعقيداً يوماً بعد يوم. وبالنظر إلى الظروف الأمنية المعقدة التي تمر بها البلاد، فإن إعادة بناء الثقة في الأجهزة الأمنية ستكون عملية شاقة وطويلة، تتطلب إصلاحات جذرية وتغييراً في طريقة التعامل مع المواطن.
الإصلاح ضرورة ملحة
إن حادثة الاعتداء على المواطن في طرابلس تجسد واحدة من التحديات الكبرى التي تواجه ليبيا في هذه المرحلة. فإعادة بناء الثقة بين المواطن والدولة تبدأ من تعزيز سيادة القانون وضمان احترام حقوق الإنسان من قبل الجهات المسؤولة عن حماية المواطن. الإصلاحات الأمنية العاجلة باتت ضرورة ملحة إذا ما أرادت ليبيا تحقيق الاستقرار الأمني والمجتمعي.