قصيدة سودون.. سخافة العبارة التي أدهشت العرب
أسخف بيت شعر في تاريخ العرب.. الماء هو الماء

أخبار ليبيا 24
-
“علي بن سودون: شاعر القرن الرابع عشر وأسطورة السخافة”.
-
“الماء والماء: بين بساطة التعبير وسخافة العبارة”.
-
“ابن الوردي: ناقد يُشعل الطبع ويصف السخافة”.
-
“كيف أصبحت قصيدة سودون رمزاً للسخرية الشعرية؟”
قصيدة سودون الجركسي: سخافة خالدة في الشعر العربي
على مر العصور، كان الشعر العربي ساحة للتنافس والتألق الأدبي، حيث أبدع الشعراء في التعبير عن تجاربهم الحياتية والمشاعر العميقة بأسلوب بلاغي يلامس الروح. إلا أن بعض الشعراء، وفي خضم سعيهم نحو التفرد، قد يسقطون في فخ السطحية والبساطة المفرطة. واحدة من أبرز تلك المحاولات التي خلفت انطباعاً ساخراً في تاريخ الأدب العربي، هي قصيدة علي بن سودون الجركسي، الشاعر الذي عاش في القرن الرابع عشر الميلادي، والذي اشتهرت قصيدته بعبارات تكررت في الأدب العربي كأيقونة للسخافة.
البيت الذي أدهش الأدب العربي
كان البيت الأول من القصيدة هو ما أشعل موجة من التعليقات الساخرة في أوساط النقاد. البيت الذي يقول:
كأننا والماء من حولنا
قوم جلوس حولهم ماء
بهذه العبارة البسيطة، شَبّه الشاعر الماء بالماء، مما جعل المتلقي في حالة من الدهشة، ليس لجمال الصورة، بل لسخافة التشبيه وبساطته المفرطة. هذا النوع من الوصف قد يبدو لأول وهلة تافهاً، لكنه سرعان ما أصبح محوراً للسخرية النقدية عبر الأجيال.
ردود فعل النقاد: ابن الوردي نموذجاً
وصف النقاد هذه القصيدة بأنها تمثل قمة السطحية، ولكن الناقد الشاعر ابن الوردي هو من أبرز من تناولها بشيء من الاستهجان، قائلاً:
“وشاعر أوقَد الطبعُ الذكاءَ له
فكاد يحرقه من فرطِ إذكاءِ
أقام يُجهد أياماً قريحته
وشبّه الماء بعد الجهد بالماء.”
من خلال هذا التعليق، يعبر ابن الوردي عن حيرة متقدة تجاه قصيدة سودون، مشيراً إلى أن الشاعر، بعد جهد كبير، انتهى بتشبيه الماء بالماء. لقد استغرقت هذه القصيدة أياماً من التفكير، ولكن النتيجة كانت سطحية للغاية، وكأن الشاعر لم يتمكن من إيجاد أي تشبيه آخر إلا أن يقارن الشيء بنفسه.
قصيدة سخيفة أم عمق مبطن؟
القصيدة، رغم سخفها الواضح، إلا أنها تفتح باب النقاش حول الحدود بين البساطة والعمق. فهل قصد الشاعر فعلاً أن يعبر عن السطحية؟ أم أن في الأمر سخرية مبطنة من تعقيدات الحياة التي يحاول الشعراء عادة التعبير عنها بشكل مفرط؟ البعض قد يجادل بأن قصيدة سودون كانت محاولة لتقديم صورة واضحة عن الواقع دون تزيين، وأن البساطة في حد ذاتها قد تكون رسالة تعبيرية. ولكن هذه الفرضية تظل ضعيفة أمام التكرار المفرط والرتيب للعبارات التي قوبلت بالاستهجان.
السياق التاريخي والأدبي للقصيدة
علي بن سودون الجركسي عاش في القاهرة في فترة مضطربة من التاريخ الإسلامي، حيث كانت الدولة المملوكية تسيطر على أجزاء واسعة من العالم الإسلامي. في هذا السياق، يمكن النظر إلى قصيدته كتعليق ساخر على الحياة الاجتماعية والسياسية في عصره. فعلى الرغم من أن القصيدة بحد ذاتها تبدو تافهة، إلا أن النقد الذي تبعها قد عكس حالة من التوتر بين التوقعات العالية للشعر العربي وبين الواقع الذي يمكن أن يعبر عنه بكلمات بسيطة جداً.
لماذا اشتهرت القصيدة؟
من الغريب أن قصيدة بسيطة مثل هذه تجد طريقها إلى كتب النقد والأدب، لكن السبب ربما يعود إلى فرادة هذه القصيدة في تاريخ الشعر العربي. فرغم تميز الشعر العربي بالكثافة والتعقيد في بعض الأحيان، إلا أن هذه القصيدة خرجت عن المعتاد وسلكت طريقاً مختلفاً تماماً. هذه السخافة في التعبير جعلت منها حديث النقاد والأدباء، حتى أن بعضهم اعتبرها نموذجاً للسخف الذي يجب تجنبه.
السخرية كأداة نقدية
النقد الذي تلقته هذه القصيدة، وخاصة من ابن الوردي، يبرز دور السخرية في الأدب كوسيلة لإبراز العيوب. النقد الساخر ليس مجرد تهكم على السطحية، بل هو تعبير عن خيبة أمل تجاه الإمكانات الضائعة. في حين أن الشعراء يستطيعون، بل ينبغي عليهم، التعبير عن أعمق المشاعر بأعذب الألفاظ، فإن سودون فضل الطريق الأسهل والأكثر بساطة، مما جعله عرضة للانتقاد.
الإرث الأدبي لابن سودون
على الرغم من السخرية التي واجهها، إلا أن اسم علي بن سودون ظل خالداً في كتب الأدب والنقد. ورغم أن قصيدته لم تدخل ضمن روائع الشعر العربي، إلا أنها أصبحت رمزاً للنقاش حول ماهية الشعر، وحول الحدود بين الإبداع والسخافة. بعض النقاد الحديثين يرون أن قصيدة سودون تُظهر الجانب الساخر من الشعر العربي، حيث لم يكن الأدب دائماً جاداً وعميقاً، بل كان أحياناً يلامس السطحية بطابع ساخر.
ختاماً: قصيدة السخف وشاعر السخرية
قصيدة علي بن سودون الجركسي ليست مجرد كلمات بسيطة؛ إنها تجربة أدبية فريدة في تاريخ الشعر العربي. قد يراها البعض سخافة مطلقة، بينما قد يراها آخرون نموذجاً للبساطة التي تتحدى التوقعات الأدبية. ولكن في النهاية، تظل هذه القصيدة تذكاراً خالداً للشعراء والأدباء بأن السعي نحو التفرد يجب ألا يوقعهم في فخ السطحية.