أخبار ليبيا 24
-
سيارات مصفحة تغلق الطريق وتغتال “البيدجا” أمام الأكاديمية البحرية
-
مصادر: وفاة “البيدجا” بعد استهداف سيارته في جنزور
-
الاغتيال يعيد إلى الواجهة الصراعات السياسية في طرابلس
-
عبد الرحمن ميلاد: من خفر السواحل إلى قائمة المطلوبين دولياً
اغتيال عبد الرحمن ميلاد “البيدجا”: تصاعد التوتر في طرابلس وعودة الاغتيالات السياسية
في مشهد يعيد إلى الأذهان فترات طويلة من الفوضى والعنف في العاصمة طرابلس، تم اغتيال عبد الرحمن ميلاد، المعروف بلقب “البيدجا“، أحد أبرز الشخصيات المثيرة للجدل والمتورطة في قضايا تهريب البشر والاتجار بهم في ليبيا. “البيدجا”، الذي كان يتزعم ميليشيا مسلحة في مدينة الزاوية ويتولى منصب آمر الأكاديمية البحرية في جنزور، قُتل في عملية مدبرة بعناية أمام الأكاديمية، مما يشير إلى عودة مسلسل الاغتيالات في البلاد بعد فترة من الهدوء النسبي.
اغتيال مروع ومؤشر على عودة العنف
تفاصيل عملية الاغتيال لا تزال غامضة، لكن شهود العيان يؤكدون أن سيارات مصفحة قامت بإغلاق الطريق أمام سيارة “البيدجا“، قبل أن يتم إطلاق النار عليه بوابل من الرصاص، مما أدى إلى وفاته متأثرًا بجروحه بعد لحظات من نقله إلى المستشفى. العملية التي تمت على مرأى من طلاب الأكاديمية البحرية، أثارت موجة من الرعب والقلق في صفوف المواطنين وأعادت إلى الذاكرة حوادث مشابهة شهدتها طرابلس في سنوات سابقة.
“البيدجا”: من خفر السواحل إلى قائمة المطلوبين دولياً
عبد الرحمن ميلاد، الذي لمع اسمه في خضم الفوضى التي تلت أحداث 2011، بدأ مسيرته كضابط في خفر السواحل. لكن سرعان ما تحول إلى أحد أشهر المهربين في البلاد، متورطًا في شبكات تهريب البشر والوقود عبر البحر المتوسط. الأمم المتحدة وضعت اسمه على قائمة العقوبات في 2018، متهمة إياه بتزعم شبكة إجرامية متورطة في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، بما في ذلك تعذيب المهاجرين وإغراق قواربهم في عرض البحر.
التحولات السياسية ودورها في اغتيال “البيدجا”
منذ أن أطلقت حكومة عبد الحميد الدبيبة منتهية الولاية سراح “البيدجا” بعد أشهر قليلة من توليها السلطة، أثارت الخطوة جدلاً واسعًا في الأوساط السياسية والشعبية، خاصة وأن الإفراج تزامن مع تصاعد التوترات بين ميليشيات الزاوية وقوات حكومة الوفاق السابقة. وبالرغم من أن الحكومة الحالية بررت الإفراج عن “البيدجا” بأنه يأتي في إطار محاولات التهدئة، إلا أن العديد من الأطراف رأت في الأمر تنازلاً غير مبرر لمصلحة جماعات مسلحة متورطة في أعمال غير قانونية.
التحليل السياسي: هل يعيد اغتيال “البيدجا” عقارب الساعة إلى الوراء؟
لعل الأهم في هذا السياق، هو التساؤل حول ما إذا كان اغتيال “البيدجا” يشير إلى بداية موجة جديدة من العنف في العاصمة طرابلس. إذ يرى خبراء أن عملية الاغتيال قد تكون جزءًا من تصفية حسابات بين الأطراف المتصارعة في ليبيا، خصوصًا وأن “البيدجا” كان يحظى بدعم ميليشيا قوية في الزاوية، وهو ما يطرح تساؤلات حول الجهة التي تقف وراء عملية الاغتيال وما إذا كانت حكومة الدبيبة تسعى لإزاحة خصومها السياسيين بأي وسيلة.
من جهة أخرى، يشير بعض المحللين إلى أن عودة الاغتيالات قد تكون محاولة من بعض الأطراف لإثارة الفوضى وزعزعة الاستقرار في طرابلس، بهدف تحقيق مكاسب سياسية أو فرض أمر واقع جديد على الأرض. هذه التطورات تأتي في وقت تشهد فيه العاصمة توترات متصاعدة بين مختلف الأطراف، في ظل عدم وجود رؤية واضحة لمستقبل البلاد بعد سنوات من الصراع المستمر.
الانتهاكات والجرائم التي ارتكبها “البيدجا”
لا يمكن النظر إلى اغتيال “البيدجا” بمعزل عن تاريخه المليء بالجرائم والانتهاكات. فقد تورط الرجل في العديد من الأنشطة غير القانونية، بما في ذلك تهريب البشر والوقود، واحتجاز المهاجرين في مراكز اعتقال غير إنسانية حيث تعرضوا لشتى أنواع التعذيب والانتهاكات. كما أن تورطه في إغراق قوارب المهاجرين في عرض البحر يعد من أبشع الجرائم التي ارتكبها، حيث أسفر ذلك عن مقتل المئات من الأبرياء الباحثين عن حياة أفضل في أوروبا.
هذه الجرائم جعلت من “البيدجا” هدفًا للملاحقة القانونية والدولية، لكنه وبالرغم من ذلك، تمكن من الإفلات من العدالة مرات عديدة، مستفيدًا من حالة الفوضى الأمنية والسياسية التي تعيشها ليبيا منذ سنوات.
ردود الفعل المحلية والدولية على الاغتيال
ردود الفعل على اغتيال “البيدجا” جاءت متباينة. ففي حين رحب البعض بمقتله معتبرين أنه “نهاية طبيعية” لرجل متورط في جرائم بشعة، رأى آخرون أن اغتياله بهذه الطريقة يشكل خطرًا على الاستقرار في العاصمة، وقد يؤدي إلى تصعيد جديد بين الفصائل المسلحة. على الصعيد الدولي، لم يصدر أي تعليق رسمي حتى الآن من الدول الغربية أو الأمم المتحدة، لكن من المتوقع أن يتبع الاغتيال ردود فعل قوية، خاصة وأن “البيدجا” كان مدرجًا على قائمة عقوبات مجلس الأمن الدولي.
السيناريوهات المستقبلية: إلى أين تتجه طرابلس؟
في ظل هذه التطورات، يبقى السؤال مطروحًا: ما هو مستقبل طرابلس؟ وهل سيعيد اغتيال “البيدجا” عقارب الساعة إلى الوراء ويعيد العاصمة إلى دائرة العنف والفوضى؟ أم أن الحكومة ستتمكن من احتواء الوضع وفرض سيطرتها على الأرض؟ ما هو واضح حتى الآن، أن العاصمة الليبية تقف على مفترق طرق، حيث يمكن أن تؤدي أي خطوة غير محسوبة إلى تصعيد خطير يعيد البلاد إلى سنوات من الصراع والمعاناة.
ختاماً: درس من الماضي وتحذير للمستقبل
حادثة اغتيال “البيدجا” تعيد إلى الذاكرة دروسًا قاسية من الماضي، حيث أدت الفوضى والاقتتال الداخلي إلى تفكك النسيج الاجتماعي والسياسي في ليبيا. وعلى الحكومة الحالية أن تدرك أن أي تصعيد جديد قد يفتح الباب أمام تدخلات خارجية وزيادة في حدة الصراع. وبالنسبة للمجتمع الدولي، فإن مقتل “البيدجا” يجب أن يكون بمثابة دعوة لتعزيز الجهود الرامية إلى تحقيق الاستقرار في ليبيا، ودعم الحلول السياسية التي تضمن وقف العنف وفتح صفحة جديدة من السلام والتنمية.
بهذا الشكل، يكون اغتيال “البيدجا” قد أضاف حلقة جديدة في سلسلة الأحداث الدامية التي شهدتها ليبيا في السنوات الأخيرة، ويشكل تذكيرًا صارخًا بأن استعادة السلام والاستقرار يتطلب أكثر من مجرد إزاحة الأفراد، بل يحتاج إلى بناء مؤسسات قوية تحمي حقوق الإنسان وتضمن العدالة للجميع.