
أخبار ليبيا 24
-
الذكاء الاصطناعي أصبح أداة يومية للموظفين في بنغازي.
-
القلق يتصاعد بشأن استبدال الذكاء الاصطناعي للوظائف.
-
نقص في الخطط الواضحة للتحول إلى الذكاء الاصطناعي.
-
زيادة الإنتاجية مقابل مخاطر تسرب بيانات الشركات.
في ظل التطورات التكنولوجية المتسارعة التي يشهدها العالم اليوم، يشكل الذكاء الاصطناعي عنصرًا محوريًا في إعادة تشكيل أساليب العمل والاقتصاد بشكل عام. تُعد دراسة “الذكاء الاصطناعي في العمل أصبح واقعًا. الآن يأتي الجزء الصعب” التي أجرتها شركة مايكروسوفت بالتعاون مع لينكد إن، نافذة حيوية لفهم كيفية تأثير الذكاء الاصطناعي على سوق العمل، وتأثيراته المتنوعة على كل من الموظفين وأصحاب العمل. قام المهندس خالد الساحلي من بنغازي بترجمة وتحليل هذه الدراسة، مقدماً رؤية عميقة ومهمة حول هذه التحولات.
تحول تقني مشابه للماضي: من الآلة الكاتبة إلى الحاسوب
تعتبر الدراسة أن التحول الحالي إلى الذكاء الاصطناعي ليس غريبًا عن التغيرات التقنية السابقة التي شهدها العالم، مثل الانتقال من الآلة الكاتبة إلى الحاسوب، ومن العمل اليدوي المكتبي إلى التكنولوجيا الرقمية. ما يحدث الآن يُمكن وصفه بأنه انتقال صعب، لكن ضرورته لا تقل أهمية عن التحولات التي سبقت. يعكس هذا التشابه مدى حتمية التكيف مع التكنولوجيا الجديدة، وهو ما يعني أن الشركات والأفراد الذين يرفضون هذا التكيف قد يجدون أنفسهم خارج دائرة التنافسية.

في هذا السياق، أشارت الدراسة إلى أن العديد من الموظفين بدأوا بالفعل في استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي دون انتظار توجيهات من إداراتهم. إنهم يسعون إلى تحسين أداء مهامهم، وتقليل الزمن المستغرق في إنجازها، فضلاً عن تعزيز تميزهم في العمل. لكن هذه المبادرة تأتي محملة بمشاعر القلق والخوف؛ إذ يخشى الموظفون من أن تحل هذه الأدوات محلهم، وأن يصبحوا هم الضحايا الأولى للتحول التكنولوجي.
الإنتاجية والتنافسية: منظور أصحاب العمل
على الجانب الآخر، يعتقد أصحاب العمل أن الذكاء الاصطناعي أصبح ضروريًا لزيادة الإنتاجية وجودة العمل. ترى الدراسة أن عصر الضغوط التقليدية على الموظفين قد انتهى؛ إذ لم تعد هذه الأساليب فعالة في ظل التطورات التكنولوجية الحالية. بدلاً من ذلك، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون الحافز الجديد للإنتاجية، حيث أصبح ينافس الخبرة البشرية التقليدية بفضل سرعته ودقته.
ومع ذلك، لا تزال هناك مخاوف من استخدام الذكاء الاصطناعي داخل الشركات. يشعر أصحاب العمل بالقلق من أن البيانات الحساسة للشركة قد تتعرض للخطر بسبب الاعتماد على هذه التكنولوجيا. بالإضافة إلى ذلك، يفتقر الكثير منهم إلى خطط واستراتيجيات واضحة للتحول الكامل إلى الذكاء الاصطناعي، وهو ما يجعلهم يترددون في اتخاذ خطوات جريئة نحو هذه التكنولوجيا.
الذكاء الاصطناعي: واقع غير متوقع في مكان العمل
تكشف الدراسة عن واقع مذهل؛ حيث يستخدم 75% من العاملين في مجال المعرفة الذكاء الاصطناعي في أعمالهم اليومية. بدأت نسبة كبيرة من هؤلاء الموظفين في استخدام هذه التكنولوجيا خلال الستة أشهر الأخيرة فقط، وهو ما يوضح سرعة انتشارها واعتمادها كأداة عمل أساسية.
ما يثير الاهتمام هنا هو أن 90% من المستخدمين يرون أن الذكاء الاصطناعي يساعدهم على توفير الوقت، بينما يرى 85% منهم أنه يعزز قدرتهم على التركيز على المهام الأكثر أهمية. بالإضافة إلى ذلك، أفاد 84% منهم أن الذكاء الاصطناعي يزيد من إبداعهم، فيما أكد 83% أن استخدام هذه التكنولوجيا يجعلهم يستمتعون بعملهم أكثر من ذي قبل.
التحديات أمام القادة في ظل غياب الرؤية الاستراتيجية
على الرغم من أن 79% من القادة يدركون ضرورة تبني الذكاء الاصطناعي للحفاظ على القدرة التنافسية لشركاتهم، إلا أن 59% منهم يشعرون بالقلق حيال تحديد مكاسب الإنتاجية من هذه التكنولوجيا. هذا التردد يعود إلى غياب خطط واستراتيجيات واضحة للتحول إلى الذكاء الاصطناعي، حيث يعترف 60% من القادة بأن قيادات مؤسساتهم تفتقر إلى رؤية واضحة لتنفيذ هذا التحول.
هذا التردد من قبل القادة يشكل تحديًا كبيرًا أمام تبني الذكاء الاصطناعي بشكل شامل وفعال. بدون رؤية واضحة وخطة محددة، يصبح من الصعب استغلال كامل إمكانيات هذه التكنولوجيا، ما قد يؤدي في النهاية إلى تخلف هذه الشركات عن ركب المنافسة.
الموظفون يأخذون الأمور بأيديهم: استخدام سري للذكاء الاصطناعي
أحد الجوانب المثيرة التي تناولتها الدراسة هو أن الموظفين بدأوا بالفعل في استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي من تلقاء أنفسهم ودون انتظار توجيهات من قادتهم. بل إن البعض منهم يحافظ على استخدام هذه الأدوات بسرية تامة، حيث أظهرت الدراسة أن 78% من الموظفين يجلبون أدوات الذكاء الاصطناعي الخاصة بهم للعمل، بينما يتردد 52% من الأشخاص في الاعتراف باستخدامها في مهامهم الأكثر أهمية.
هذه الظاهرة تعكس حالة من التناقض الداخلي بين رغبة الموظفين في تحسين أدائهم وبين مخاوفهم من أن يُنظر إلى استخدام الذكاء الاصطناعي كتهديد لمهامهم الوظيفية. إنهم يخشون أن يصبحوا قابلين للاستبدال في حال استخدام هذه الأدوات بشكل علني، ما يدفعهم إلى تبني نهج سري في التعامل معها.
الاستنتاج: بين الفرص والمخاطر
ختامًا، تُظهر الدراسة أن الذكاء الاصطناعي أصبح جزءًا لا يتجزأ من بيئة العمل الحديثة. رغم فوائده العديدة في تحسين الإنتاجية والإبداع، إلا أنه يحمل في طياته مخاطر تستوجب التأمل والتخطيط الدقيق. ما بين مخاوف الموظفين من فقدان وظائفهم وتردد القادة في تبني استراتيجيات واضحة للتحول الرقمي، يبقى التحدي الأكبر هو كيفية التعامل مع هذه التكنولوجيا بشكل يضمن استفادة الجميع دون إقصاء أو تهديد.
إن المرحلة الحالية تتطلب من القادة اتخاذ خطوات جريئة ومدروسة في آن واحد، لتوجيه شركاتهم نحو المستقبل بوعي وثقة. كما أن الموظفين بحاجة إلى الاطمئنان بأن دورهم سيظل مهمًا في ظل وجود الذكاء الاصطناعي، وأن هذه التكنولوجيا ستصبح أداة لتعزيز أدائهم وليس لاستبدالهم. لتحقيق ذلك، يجب أن يترافق تبني الذكاء الاصطناعي مع برامج توعية وتدريب متقدمة تهدف إلى دمج هذه التكنولوجيا في العمل بطريقة سلسة وفعالة.
سيظل الذكاء الاصطناعي حاضرًا ومستمرًا في إحداث تغييرات جذرية في سوق العمل، ولكن يبقى التحدي الأهم هو كيف نتعامل معه، ونوجهه لخدمة أهدافنا وليس العكس. إنها مهمة ليست بالسهلة، ولكنها بالتأكيد ليست مستحيلة إذا ما تم التخطيط لها بشكل صحيح.