الأخبارمقالات

علم الله المحيط.. هل نحن نعيش في ماضي الله؟

الزمان والمكان في الإسلام: فهم طبيعة الخلق الإلهي

أخبار ليبيا 24

في إطار التفكير الإسلامي السني، يُطرح سؤال “هل نحن في ماضي الله؟” ضمن سياق يتجاوز الفهم التقليدي للزمان والمكان البشريين. هذا السؤال يعكس الرغبة العميقة في فهم طبيعة وجود الله وعلاقته بخلقه من منظور إيماني يستند إلى القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة.

مفهوم الزمن والمكان في الإسلام

في العقيدة الإسلامية، يُعتبر الله سبحانه وتعالى خالق الزمان والمكان، وهو ليس مقيدًا بهما. يقول الله تعالى في سورة الحديد: “هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ” (الحديد: 3). هذه الآية تؤكد أن الله هو الأول والآخر، مما يعني أنه يحيط بكل الزمان والأحداث. الله سبحانه وتعالى غير محدود بحدود الزمن البشري؛ بل هو من خلقه ويعلم كل شيء عنه.

الله وعلمه المحيط

من أهم صفات الله في العقيدة الإسلامية هو علمه المحيط بكل شيء. يقول الله تعالى في سورة الأنعام: “وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَمَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ” (الأنعام: 59). هذه الآية تظهر بوضوح أن الله يعلم كل شيء في الكون، سواء كان في الماضي أو الحاضر أو المستقبل.

القضاء والقدر

في الفكر الإسلامي السني، يرتبط مفهوم الزمن بفكرة القضاء والقدر. الله سبحانه وتعالى كتب كل شيء في اللوح المحفوظ قبل خلق السماوات والأرض، وكل ما يحدث في هذا الكون هو بتقدير الله. يقول النبي محمد صلى الله عليه وسلم: “قدّر الله المقادير قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة” (رواه مسلم). هذا الحديث يوضح أن الله يعلم كل شيء قبل حدوثه، وأن الزمن البشري ليس إلا تجليًا لما هو مكتوب في علم الله.

نظرة العلماء المسلمين

العلماء المسلمون، مثل ابن تيمية وابن القيم، تحدثوا عن أن الله سبحانه وتعالى لا يُحد بالزمان أو المكان، وأن كل الأحداث بالنسبة له هي في علمه الأزلي. ابن القيم يقول: “الله يعلم ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف يكون” وهذا يوضح أن علم الله محيط بكل شيء ولا يتغير بمرور الزمن.

الزمن في القرآن والسنة

القرآن الكريم يحتوي على العديد من الآيات التي تشير إلى مفهوم الزمن وعلاقته بالله. على سبيل المثال، في سورة العصر يقول الله تعالى: “وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ” (العصر: 1-3). هذه الآية تشير إلى أهمية الوقت في حياة الإنسان وكيف يجب عليه استغلاله في الأعمال الصالحة.

الله والزمان الأزلي

الله سبحانه وتعالى هو الذي خلق الزمن ويدرك كل تفاصيله. في الحديث القدسي، يقول الله: “يا عبادي، إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني” (رواه مسلم). هذا يوضح أن الله مستقل تمامًا عن الزمن والمكان، وأنه هو الذي يحدد مسارات الأحداث.

الفلسفة الإسلامية والزمان

الفلاسفة المسلمون، مثل الفارابي وابن سينا، تناولوا مفهوم الزمن بطرق فلسفية متعمقة. ابن سينا، على سبيل المثال، رأى أن الزمن هو مقدار الحركة الدائمة، وأن الله هو المحرك الأول الذي لا يتحرك، مما يعني أن الزمن لا يؤثر عليه بأي شكل من الأشكال.

العلاقة بين الزمن والإيمان

الإيمان بالقدر والتسليم لحكمة الله يتطلب من المسلم فهم أن الله يعلم كل شيء قبل حدوثه. هذا الفهم يعزز الثقة في الله والاعتماد عليه في كل أمور الحياة. المسلم يؤمن بأن الله هو الذي يقدر الأمور وأنه هو العليم الحكيم الذي يدير شؤون الكون بحكمة بالغة.

الله والأبدية

الله سبحانه وتعالى هو الأزلي الأبدي، الذي لا بداية له ولا نهاية. هذه الصفة الإلهية تجعل من الممكن لله أن يحيط بكل زمان ومكان دون أن يتأثر بهما. هذا المفهوم يعزز الاعتقاد بأن الزمن البشري هو مجرد جزء من خلق الله.

من المنظور الإسلامي السني، يمكن القول بأننا نعيش في ماضي الله بمعنى أن كل شيء يحدث هو في علم الله الأزلي. الله سبحانه وتعالى خلق الزمان والمكان، وهو يعلم كل شيء عن مخلوقاته في كل لحظة. الزمن بالنسبة لنا كبشر هو سلسلة من الأحداث التي نمر بها، ولكن بالنسبة لله هو جزء من علمه الأزلي. فهم هذه الحقيقة يعزز الإيمان بقدرة الله وحكمته المطلقة.

المزيد من الأخبار

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى