الكعبة المشرفة.. مقصد القلوب ونبض الإيمان في موسم الحج العظيم
قلوب المسلمين تتوق إلى الحج.. مشهد الوحدة والتضامن في قلب الإسلام

أخبار ليبيا 24
اقتربت أيام الحجً المباركة، وها هي الليالي العشر تطل علينا بأنوارها المضيئة، حاملةً معها عبق الذكرى والتضرع. في هذه الأوقات العظيمة، تتجه الأنظار إلى مكة المكرمة، حيث تتوافد جموع المسلمين من كل حدب وصوب، ملبين نداء ربهم، متأهبين لأداء الركن الخامس من أركان الإسلام. إنها لحظات تهفو فيها القلوب وتخشع الأرواح، في مشهد يختزل معاني الإيمان والتقوى، ويجسد وحدة الأمة الإسلامية في أبهى صورها.
الحج.. الركن الخامس من أركان الإسلام
إنَّ الحجَّ، هذه الرحلة الروحية العظيمة، يُعدُّ الركنَ الخامس من أركان الإسلام، وواحدة من أعظم الشعائر التي تتجمع فيها الأنفس المؤمنة تحت راية التوحيد، لتلبية دعوة خليل الله إبراهيم عليه السلام. إنَّه التجلِّي العملي للإيمان، حيث يرتحل المسلمون من كل فجٍّ عميق، تاركين خلفهم الدنيا وما فيها، ليلتقوا في بقعة واحدة، في موسم واحد، ترفرف عليه رايات الوحدة والإخاء.
الحج.. دعوة إلهية وتلبية إنسانية
منذ أن صدح إبراهيم عليه السلام بدعوة الله إلى الحج، ﴿ وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ﴾، كانت قلوب المؤمنين تتوق إلى تلبية هذه الدعوة المباركة. الحج هو مؤتمرٌ سنوي يجتمع فيه المسلمون من كل أرجاء المعمورة، ليقفوا على صعيد عرفات، ويطوفوا بالكعبة المشرفة، ويسعوا بين الصفا والمروة، ويعبروا من خلال هذه الشعائر عن تذللهم وخضوعهم لله الواحد الأحد.
الكعبة المشرفة.. قلب الإسلام النابض
في قلب هذا المشهد الروحاني تقف الكعبة المشرفة، البيت العتيق، مهوى الأفئدة، ومقصد الأرواح التواقة للصفاء والنقاء. إنَّها أول بيت وضع للناس، بُني على يد إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام، ليكون رمزاً للوحدة الإيمانية وموئلاً للمصلين. حولها يطوف الحجيج، في سبع أشواط، تتردد أصداء التلبية والتكبير في الأرجاء، ويشعر الطائفون بعظمة المكان وجلال اللحظة.
بئر زمزم.. نبع العطاء الإلهي يسقي الحجاج منذ آلاف السنين
على مقربة من الكعبة، ينطلق نبع زمزم، تلك العين المباركة التي تفجَّرت بأمر الله تحت قدمي إسماعيل عليه السلام، بعدما سعى إبراهيم عليه السلام بأمر من الله في وادٍ غير ذي زرع، تاركاً زوجته هاجر ورضيعها في هذا المكان المقفر. إن بئر زمزم تجسد عطاء الله وكرمه، فهي لم تنضب على مر العصور، وظلت تسقي الملايين من الحجاج والزوار، بركةً وخيراً ورمزاً للعطاء الرباني.
الحجر الأسود.. أثر سماوي يربط الأرض بالجنة ويجمع أفئدة المؤمنين
الحجر الأسود، هذا الحجر المقدس المثبت في أحد أركان الكعبة، هو الآخر يحمل رمزية دينية عميقة. إنَّه حجارة من الجنة، أُرسل مع آدم عليه السلام، ليكون شاهداً على عهد الله وميثاقه. يقبله الحجاج، أو يشيرون إليه، اتباعاً لسنَّة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، مستشعرين بذلك عراقة هذا الأثر وجلاله.
رحلة الروح والقلب
إنَّ الحج هو رحلة تتجاوز حدود المكان والزمان، لتغوص في أعماق الروح والقلب، مجسدةً معاني الطاعة والخضوع لله، ومجددةً عهد الإيمان والإخاء بين المسلمين. في الحج تتجسد وحدة الأمة الإسلامية، تتلاشى الفوارق، وتصطف القلوب في محراب واحد، متوجهة نحو الكعبة المشرفة، في مشهد مهيب يختزل كل معاني الإيمان والتقوى.
فالحج ليس مجرد فريضة يؤديها المسلم، بل هو تجربة روحية تتجلى فيها عظمة الإسلام ورسالته السامية، جامعةً المؤمنين تحت راية واحدة، موحدة قلوبهم وأرواحهم في سعيهم نحو مرضاة الله ورحمته