شهيد الوطن.. قصة عبد الحكيم العبيدي في ميادين الشرف والتضحية “2”
شهيد الحرية.. رحلة العبيدي نحو الخلود والتضحية
أخبار ليبيا 24
يواصل “أنور العبيدي” سرد قصته، وقد أثقل الحزن كاهله واغرورقت عيناه بالدموع، قائلاً بصوت متقطع: “في اليوم التالي لاستشهاد شقيقي، تلقيت مكالمة من أحد الجنود الذين كانوا يقاتلون معه. قال لي: ‘تعال إلى الموقع.. لقد أخذنا لك بثأر أخيك’.”
بعد إنهاء المكالمة، لم يستطع أنور كبح دموعه، وانهار باكياً. هرع من مأتم شقيقه في منطقة النواقية إلى الموقع، عاقداً العزم على رؤية جثة القاتل الذي أنهى حياة “عبد الحكيم”. وعندما وصل إلى هناك، رأى جسد القاتل ممدداً على مقدمة المدرعة. شعر بالغضب يتأجج في صدره، لكنه تمالك نفسه، ونظر في صمت واحترام إلى الجثة، مراعاة لأخلاق دينه وإنسانيته. حيّى المقاتلين على انتقامهم السريع لشقيقه، لكنه لم يستطع التشفي بجثة العدو.
أدرك أنور في تلك اللحظة الحقيقة المؤلمة: عبد الحكيم قد استشهد. شعر بفيض من الشكر والحمد لله، وعاد إلى المنزل، يحمل في قلبه مشاعر الفخر والشجن.
العبيدي: عبد الحكيم رفض أن تكون ليبيا رهينة للجماعات الإرهابية
كان “عبد الحكيم”، الشقيق الوحيد لأنور من بين تسعة أخوة. استشهد يوم 23 فبراير 2016، وترك وراءه عائلة مليئة بالفخر، فقد قال والده “علي إبراهيم العبيدي”: “حتى لو استشهدوا هم التسعة، لحمدت الله.. نحن ما خلقنا إلا للدفاع عن الوطن.”
يملأ الفخر قلب أنور وهو يتحدث عن شقيقه، قائلاً: “شهادته وتضحيته بنفسه لأجل الوطن تجسد فخراً واعتزازاً لي ولأسرتي.” رفض عبد الحكيم أن تكون ليبيا رهينة للجماعات الإرهابية المتطرفة، واندفع مع الكثيرين نحو نيل الشهادة فداء لها.
بفضل تضحيات عبد الحكيم والجنود الشجعان، تنعم ليبيا اليوم بالأمن والسلام في أغلب مناطقها، التي كانت سابقاً مسرحاً تراق فيه دماء الليبيين على يد المتطرفين. تستمر قصة عبد الحكيم في الإلهام، تمثل رمزاً للشجاعة والإخلاص في زمن الاختبارات، وذكرى دائمة في قلوب من عاشوا حبه للوطن وشجاعته الفائقة.
وفي تلك اللحظات الحالكة، حيث اختلطت مشاعر الفخر بالوجع، استمر أنور في حديثه، مستعيداً ذكريات عبد الحكيم الطموح. يتذكر كيف كبر شقيقه في ظل الصراعات التي اجتاحت بلادهم، وكيف كانت حياته مليئة بالتحديات. لم يكن عبد الحكيم مجرد شاب عادي، بل كان مقاتلاً، يحمل في قلبه حب الوطن وشجاعة الأبطال.
عندما اندلعت معارك القوات المسلحة في بنغازي ضد الجماعات الإرهابية، لم يتردد عبد الحكيم في الانضمام إلى صفوف الجيش للدفاع عن مدينته وشعبه. يتذكر أنور اليوم المشؤوم بكل تفاصيله، كيف كانت الرصاصات تنهال والقذائف تتطاير، وكيف كان شقيقه يصارع بكل قوته للحفاظ على سلامة زملائه وتحقيق النصر.
كانت خطوات عبد الحكيم ثابتة وسط غيوم الدخان وأصوات الانفجارات. لم يكن يعرف ماذا سيحمل له القدر، لكنه كان مستعداً لمواجهة المصير بكل شجاعة. وفي المعركة الأخيرة على تخوم منطقة النواقية، وبينما كانت السماء تنزف بأحمر الغروب، وقع عبد الحكيم العبيدي، بطلهم، شهيداً للوطن.
ورغم ألم الفراق، يظل أنور وأسرته فخورين بتضحية عبد الحكيم وبطولته، وسيظل ذكره حياً في قلوبهم وذاكرتهم. إن شهادته شاهدة على وفائهم له ولمبادئه التي قاتل من أجلها. وهكذا، يستمر عبد الحكيم في العيش بيننا كرمز للشجاعة والتضحية، يذكرنا دائماً بأن الحرية لا تأتي بلا ثمن، وأن الوطن يستحق كل تضحية.