الناجُون من الموت.. قصة قاصر نجى من مأساة الهجرة عبر المتوسط يروي لأخبار ليبيا 24 عذاب رحلته من مصر إلى ليبيا
أخبار ليبيا 24 – خـاص : أنا (ك.ز. أ) عُمري 17 عامًا، مصري الجنسية، أحلم كما الكثيرون بالوصول إلى أوروبا – جنة الأرض، ولكن يبدو أني سلكت الطريق الخطأ..تلك الطريق غير المشروعة التي كانت ستودي بحياتي للتهلُكة.
أروي قصتي المؤلمة هذه لتكون عبرة لكل الشباب الحالمين والراغبين بالهجرة، ظنًا منهم أنهم سينالون رغد العيش وينعمُون بحياة كريمة، بعيدًا عن أوضاعنا الاقتصادية والاجتماعية وحتى الإنسانية الصعبة.
بدأت الرحلة المشؤومة عندما استقلينا سيارة من قريتنا إلى المدينة، ومن تلك المدينة إلى مدينة أخرى، لنجد في إنتظارنا جماعة أخذتنا إلى المنطقة الحُدودية المنشودة.
فور وصولنا وضعونا في أحد المخازن مثلما يخزنون السلع – لقد كُنّا سلعةً آدمية، وبعد قُرابة الساعة جرى نقلُنا إلى مكانٍ غريب، يصعبُ عليا وصفه!
أخبرونا بأنه يجبُ علينا صعود الهضبة، ومن الهضبة سنمشي سيرًا على الأقدام لنجتاز الحدود بالقرب من بيت مهجور.. قطعنا شوطًا كبيرًا من المشي حتى اجتزنا سبعة أودية، ولكن الطريق كانت وعِرة.. كانت مظلمةً ومليئة بالحجارة والحصى كنا نشمُ رائحة الجُثـ.ـث المتحللة المُلقاه على الطريق، ونرى عظامًا لهياكل بشرية محطمة!
من تخُونه رجليه المتعبة سيسقُط، ومن يسقط لن يستطيع إكمال المشوار واللحاق بالمجموعة، وإن سقط أحدٌ منا لن نستطيع أنقاذه أو حتى النظر إليه.
بعد تلك الليلة السوداوية، وصلنا أخيرًا لمساعد، وعند وصولنا هناك أقلتنا سيارة إلى مخزنٍ آخر قريب من البوابة، ووجدنا هناك مالا يسُر خواطرنا المكسورة، تعرضنا لأبشع أساليب العنف، الضرب بدون سبب والإهانة والكثير من المعاملة السيئة.
بعدما انتهى ماراثون التعذيب وضعونا داخل سيارة أخرى، لتنقلنا إلى مخزنٍ آخر.. وكأننا تائهون داخل متاهة مخازن كبيرة!
فور وصولنا إلى هناك، أبلغونا أننا سنغادر هذا المكان في نفس اليوم، لكن من يصدق أكاذبيهم؟
وفي اليوم الثاني أخذونا إلى مخزنٍ آخر، وذلك بعد أن أقنعونا أنه مخزنُ المغادرة والخلاصُ الأخير، حيثُ وجدنا في ذلك المخزن مُختلف الجنسيات، المصرية، والسورية والأفريقية، يا إلهي.. بدا الأمر وكأننا في سوق للرقيق.
حال ما حلُمنا بأن أرجلنا الصغيرة وطئت أوروبا، وبدأنا بصنع حياة تليقُ بنا، في دولة تحترم آدميتنا، حتى علت أصوات المنسقين الجعورة يطلبون منا مغادرة هذا المخزن لأن الشرطة علمت بأمرنا، ولكن فيما بعد اتضح لنا أن هذه الخطة كانت من تدبير عقولهم الإجرامية حتى يتمكنوا من إنهاء آجراءات السوريين الماكثين هناك منذ أشهر طويلة.
لا أخفي حقيقة أن السفر لأوروبا هو حلمٌ راودني منذ سنين؛ وحاولت كثيرًا أن أهاجر بطرق شرعية تحفظ لي حياتي، ولكن الطرق الشرعية كانت مُكلفة أكثر من حياتي نفسها.
كما أنني لن أخفي أيضًا أنها كانت تجربة مريرة مغلفة بطعم الذُل، ومن هنا.. وبعد هذه الرحلة الشاقة أدعو فيها كل الشباب أن يتعضوا، ومهما سُدت الأبواب في وجوههم، فهي أفضل بكثير من أبواب المخازن والمستودعات، وإن حالفك الحظ واستطعت السفر، فسيرميك المُهرب وسط البحار غير مُبالٍ بحياتك، مع قارب ترتطمه الأمواج من كل اتجاه، وفي أكثر الأحيان لن يصل بك إلى وجهتك المنشودة.
وأخيرًا.. الحياة واسعة، مليئة بالفُرص التي تنتظر من يستغلها، ولكن إن ضاقت بك السُبل وكنت مرغمًا على الهجرة، اختر طريقًا إنساني يبقيك على وجه الحياة، أو مُت في بلادك؛ فهي أولى بك من مياه المتوسط المالحة.