رحلة إلى ليبيا : الجبل الأخضر أيقونة ليبيا الخضراء

الجزء الثاني

الجبل الأخضر عبارة عن كتلة جبلية ممتدة على ساحل البحر الأبيض المتوسط، مناخه بارد وممطر شتاءاً، وحار وجاف صيفا، ومعدل تساقط الأمطار السنوي فيه يترواح مابين مائتين إلى خمسمائة مليمتراً.

تتميز تربة الجبل الأخضر في أغلبها بالحمرة و يعرف هذا النوع من التربة بأسم تيراروزا، بالإضافة إلى أنواع أخرى من التربة الجيرية.
وتمثل الأمطار مصدراً رئيسياً في تغذية المياه الجوفية بالجبل الأخضر، و تقدر المساحة التي تتعرض فيه للامطار بحوالي عشرة آلاف كيلومتر مربع، إلا أن أغلب هذه الأمطار تتسرب إلى الأرض، و بعضها يتبخر؛ و البعض الآخر من مياهها يتدفق نحو البحر كمياه جارية في الأودية ولا يستفاد منها.

تيرا روزا
تربة الحمراء , منطقة أسلنطه , جنوب الجبل الأخضر .

إقليم الجبل الأخضر يتمتع بكثافة نباتية تختلف عن أي جزء آخر في ليبيا، بتأثير من مناخ البحر الأبيض المتوسط، وتمتاز بخضرتها الدائمة، وهي تتكون بشكل عام من شجيرات متوسطة الإرتفاع، تكيفت مع المناخ شبه الجاف ذو الأمطار الموسمية لتلك المنطقة.
كما يغطي الإقليم أنواعاً من الأعشاب والحشائش التي تنمو وتخضر مع موسم الأمطار، وتختفي في موسم الجفاف، وتختلف في كثافتها تبعا لكمية الأمطار.
تقدر المساحة التي تغطيها الغابات في الجبل الأخضر بحوالي خمسمائة كيلومتراً مربعاً، وهذه المساحة تتراجع اليوم بشكل ملحوظ؛ بسبب تجريف الغابات والحرائق و تحطيب الأشجار الجائر لانتاج الفحم النباتي.
من أهم أشجار غابات الجبل الأخضر، شجرة الزيتون التي تغطي حافة الأودية وخاصة الساحلية، ويرجع البعض في أصل زراعتها للرومان والأغريق، وهي تنمو برياً دون رعاية أو تدخل بشري حتى اليوم.
ورغم عدد اشجار الزيتون الهائل؛ إلا أنها لم تستغل اقتصاديا، وهي تنمو في كل مناطق الجبل الأخضر بشكل متفرق، وتتواجد بوفرة في مناطق الغريب شرق مدينة المرج.

وادي الصنب
أشجار الزيتون في منطقة غوط الجرس , وادي الصنب .
الزيتون
زرعت أشجار الزيتون في أغلب مناطق الجبل الأخضر في العصر الروماني

كما تنمو في بعض مناطق الجبل الأخضر شجرة القطلب و المعروفة محليا بأسم شجرة الشماري و هي شجرة دائمة الخضرة تنمو خاصة في المناطق العالية والباردة , لهذه الشجرة ثمار تشبه ثمار التوت و الفروالة تعرف محليا بأسم العجور تكون خضرء عند بداية الثمر و في مراحل نضجها يتغير لونها من الأصفر ثم البرتقالي حتى تصبح أقرب إلى اللون الأحمر عند إكتمال نضجها و هي لذيذة المذاق و يقوم سكان الجبل الأخضر و زواره بجني ثمارها و أكلها طازجة و يصعب حفظ ثمار العجور بسبب طبيعتها , أما زهرة الشماري فمحليا تعرف بالحنون و ينتج منها نوع من العسل المر يعرف بعسل الحنون و هو عسل أسود اللون و مر المذاق يستخدم في علاج الكثير من الأمراض , و الغريب في شجرة الشماري أنها وعلى عكس أغلب النباتات و الأشجار فإن الزهرة تزهر بعد سقوط الثمر .

يعرف النوع الذي ينمو في الجبل الأخضر قطلب البافاري Arbutus pavarii, أول من وصفه في بلدان حوض البحر الأبيض المتوسط وشمال غرب أوروبا هو عالم النبات السويدي كارل لينيوس سنة 1753 تحت اسم علمي واحد وهو Arbutus Unedo، وفي سنة 1933 جاء عالم النبات الإيطالي بامب Pamp في رحلة استكشافية لمناطق الجبل الأخضر من الباكور غرب مدينة المرج الى القبة شرق مدينة البيضاء وبدأ في دراسة نبات القطلب (الشماري) دراسة دقيقة وجمع الكثير من العينات وأول عينات جمعها بامب من نبات القطلب كانت يوم 14/4/1933 من وادي الفهقا El-fahaga بين منطقة الغريب وطلميثة شرق مدينة المرج، وكانت العينات التي جمعها بامب من وادي الفهقا تحمل رقم 5836 أجريت الدراسة عليها في جامعة بولونيا الايطالية ليكتشف إن القطلب (الشماري) الذي ينمو في الجبل الأخضر يختلف تماماً عن القطلب الاونيدو الذي وصفه كارل لينيوس، وفي سنة 1936 أعيد تصنيف النبات الى نوع جديد لا يوجد إلا في الجبل الأخضر، وأطلق عليه اسم بافاري Pavarii ليصبح اسمه العلمي الجديد Arbutus pavarii وسمي Pavarii تخليداً لعالم النباتات البروفيسور الإيطالي Aldo pavari   ( المرجع : الجمعية الليبية لحماية الحياة البرية ) .

 

شماري
العجور ثمر شجرة الشماري

 

الشماري
الشماري
زهر الشماري
الحنون , زهر شجرة الشماري

شاهد فيديو لشجرة الشماري , للمزيد يمكنك متابعة صفحتنا على اليوتوب 

شجرة الشماري في الجبل الأخضر

 

شجرة العرعر

أما الشجرة المميزة في الجبل الأخضر، والتي تعتبر أكثر أنواع الأشجار عدداً، وتغطي تقريباً كافة مساحته ويمتد انتشارها بعدد قليل حتى المناطق الصحرواية هي شجرة العرعر؛ التي يطلق عليها محلياً اسم شجرة الشعرة، نسبة لأوراقها الأبرية الشكل والكثيفة النمو.
شجرة العرعر تعد من أهم الأشجار التي اعتمد عليها الإنسان في الكثير من متطلبات الحياة منذ آلاف السنين، وهي إحدى النباتات المعمرة ودائمة الخضرة.
وتصنف أشجار العرعر ضمن فئة الأشجار المعمرة، حيث تعيش الشجرة الواحدة مئات السنين، وتتميز بأنها من الأشجار الجذابة الظليلة وذات رائحة منعشة لما تحتويه أوراقها من كميات وفيرة من الزيوت الطيارة، وتعمل على تعديل المناخ وتلطيفه، وتحسين التربة وزيادة خصوبتها، ومقاومة التلوث الجوي وكسر شدة الرياح وتقليل الضوضاء، بالإضافة إلى الناحية الجمالية.
ويعرف النوع السائد في الجبل الأخضر من هذه الشجرة بالعرعر الفينيقي الذي ينمو في ليبيا وفي مناطق أخرى من بلاد المغرب العربي.
ثمار العرعر، هي عبارة عن بذور تعرف محلياً بالزنباع، و تستخدم في العلاج وخاصة لمشاكل الجهاز الهضمي و دبغ الجلود، كما تستغل أخشاب العرعر لانتاج الفحم النباتي.
وتعاني شجرة العرعر اليوم في الجبل الأخضر، من تكاثر الأشنة؛ وهي عبارة عن فطريات وطحالب تعيش في تكافل مع بعضها البعض على الأغصان؛ فتحرم الشجرة من الضوء والهواء مما يؤدي إلى تساقط أوراقها وموتها.
وتنمو في بعض مناطق أقليم الجبل الأخضر وخاصة المناطق الباردة وكثيرة الأمطار شجرة القطلب، ، كما تنمو أشجار السرو والصنوبر والخروب، وشجيرات كالبطوم والشيح.

شجرة العرعر
شجرة العرعر
شجرة العرعر
شجرة العرعر , تعرف محليا بأسم الشعر و ترجع التسمية إلى شكل أوراقها الأبرية .
الأشنة
تكاثر الأشنة على مساحات واسعة من غابات الجبل الأخضر

تغطي الجبل الأخضر مساحات واسعة من الغابات و التي تختلف في مكوناتها النباتية من منطقة لأخرى إلا أن هذا التنوع في البيئة النباتية ساهم منذ القدم في إزدهار الحياة فيه و تأسيس حضارات عظيمة أتسمت بالإزدهار الإقتصادي و الزراعي على مر العصور .

نباتات الجبل الأخضر
غابات الجبل الأخضر
غابات الجبل الأخضر
غابات الجبل الأخضر

غابات الجبل الأخضر

عين الدبوسية

يعتبر القسم الشمالي من الجبل الأخضرشمال شرق ليبيا ؛ أكثر مناطق الإقليم وفرة بالمياه، لكثرة الينابيع الطبيعية خاصة الموجودة في الأودية التي تشق الطبقة الساحلية، و من أهم هذه الينابيع، نبع عين الدبوسية التي تنبع في وادي الدبوسية ، عين استوة في وادي أستوة، عين خلف في وادي الأنجيل، ينابيع وادي مرقس، وعين حبون التي كانت تغذي مدينة طلميثة.
تقع عين الدبوسية جنوب وادي الدبوسية، و هو وادٍ يمتد من بلدة الدبوسية الريفية الصغيرة شمال مدينة القبة، ويصل حتى منطقة لاثرون الساحلية، ويبلغ طول الوادي حوالي عشرة كيلومترات؛ و يتميز بأجرافه الجيرية المائلة للحمرة وقلة غطائه النباتي، مقارنة مع بقية الأودية الساحلية القريبة منه كوادي بن جبارة شرق الدبوسية ووادي الحدادية جنوب غرب لاثرون.
عين البوسية مصدررئيسي للمياه في المنطقة، تضخ مياهها إلى أعلى الوادي لبلدة الدبوسية ومزراعها ولبعض المناطق في مدينة القبة جنوباً، بواسطة محطة لضخ المياه أنشئت عام ألف وتسعمائة وأربع وستين، كما أنها كانت حتى وقت قريب؛ مصدراً لتغذية مناطق تمتد من مدينة طبرق شرقا وحتى مدينة المرج غرباً، إلا أن إهمال محطة الضخ المنشأة على النبع؛ أدى إلى تراجع معدلاتها، فبالكاد تغذي اليوم الدبوسية وما جاورها.

وادي الدبوسية
يقع وادي الدبوسية شمال مدينة القبة و يمتد من قرية الدبوسية حتى منطقة لاثرون الساحلية
الدبوسية
وادي الدبوسية يمتد حتى منطقة لاثرون الساحلية و يعرف في قسمه القريب من الساحل بوادي لاثرون

 

شاهد فيديو عن وادي و عين الدبوسية في الجبل الأخضر : للمزيد تابع قناتنا على اليوتوب 

عين الدبوسية ( الجبل الأخضر )- ليبيا

 

غير بعيد عن المنبع تتجمع المياه في حوض حجري شبه دائري , قامت بنحته المياه على مر الزمن و التي تنحدر إليه على هيئة شلال صغير , يعرف هذا الحوض لدى بعض السكان المحليين بالبريمة و هي من مرادفات اللغة الإيطالية التي بقت على ألسنة الليبيين اليوم و من ضمن لهجتهم الدارجة و البريمة تعني اللولب و سمي هذا الحوض بهذه التسمية بسبب شكل الصخور التي تحيط به و التي تتميز بخطوط بارزة دائري تشبه اللولب أو كما يسميها السكان البريمة .

عين الدبوسية
تتجمع مياه عين الدبوسية في حوض صخري يعرف لدى السكان المحليين بأسم البريمة
عين الدبوسية
تنحدر مياه عين الدبوسية على هيئة شلال صغير إلى حوض حجري نحتته المياه يعرف بالبريمة
عين الدبوسية
عين الدبوسية

توجد شرق الدبوسية مساحات نائية و شبه خالية تمتد حتى تصل إلى منطقة سيدي خالد قرب عين مارة , و تشتهر هذه المناطق بأن بها بدايات العديد من الأودية التي تنحدر شمالا إلى الساحل و من أشهر تلك الأودية , وادي الطير و وادي اللوز , وادي الأنجيل و وادي بن جبارة , و وادي بن جبارة يعرف في شقه الجنوبي بأسم وادي الحصن و ترجع التسمية إلى إتخاذ المجاهدين الليبيين هذا الجزء من الوادي كموقع لهم نظرا لصعوبة تضاريسه مما وفر لهم حماية من الإيطاليين بالإضافة إلى وجود نبع ماء يعرف بعين الحصن و قد قاد المجاهد الكبير الفضيل بوعمر رفيق شيخ الشهداء عمر المختار المجاهدين إنطلاقا من ذلك الموقع في معارك كثيرة ضد الإستعمار الإيطالي و أشهرها معركة لاثرون التي أستشهد فيها الفضيل بوعمر حيث يوجد قبره و قبور العديد من رفاقه في ذلك الوادي الذي يقع شرق لاثرون الساحلية , و على الرغم من وجود قبر المجاهد الكبير إلا أن رفاته تنقصها الرأس التي حملعا الإيطاليين إلى مركز قيادتهم في مدينة بنغازي و التي لايعرف مكانها إلى يومنا هذا .

وادي بن جبارة
وادي بن جبارة ( وادي الحصن )
وادي بن جبارة
وادي بن جبارة , أتخذه المجاهدين مقرا لهم بسبب صعوبة تضاريسه و سمي بوادي الحصن في قسمه الجنوبي

تسمية الوادي بوادي الدبوسية ترجع إلى وجود قرية الدبوسية الصغيرة أعلى قسمه الجنوبي و تحديدا أعلى موقع نبع المياه , إلا أنه لايوجد  أصل لتسمية القرية نفسها , إلا أن هذه التسمية توافق أسما لبلدة أخرى في سوريا تعرف ايضا بالدبوسية عند الحدود السورية اللبنانية .

تتمتع قرية الدبوسية بخصوبة التربة و كثرة المزارع , كما يوجد الكثير من الأثار حول المنطقة أشهرها تلك الموجودة في زاوية المرازيق ( ستكون هناك زيارة قريبة لأثار زاوية المرازيق ) , من خلال رحلتنا إلى ليبيا .

الدبوسية
بلدة الدبوسية تقع أعلى جنوب الوادي عند نبع عين الدبوسية فيما تظهر في الأعلى منطقة زاوية المرازيق
وادي الدبوسية
وادي الدبوسية عند منطقة لاثرون
Exit mobile version