عزة المقهور و صلاح المرغني: يكتبان عن النزاع الأهلي في تشاد

أخبار ليبيا24
ونحن نتابع التطورات في الجنوب الليبي، تحديدا بعد اغتيال الرئيس التشادي إدريس دبي، وأخبار عن تطورات نزاع أهلي داخل الدولة الجارة تشاد وتقارير صحفية عن أن المجموعات المسلحة التشادية المتمردة تشكلت أو ارتبطت بالنزاع الليبي وتواجدت أو انطلقت من الأرض الليبية.
وفي ضوء مدى خطورة ذلك وما قد يشكله من تهديد على الحدود الجنوبية والمعاناة التي قد تتفاقم للشعب التشادي الجار فإننا نشير إلى ما يلي:
أولا: إن ليبيا منذ العام 1994 بعد حروب وكر وفر وتضحيات كبيرة بآلاف الأرواح ضمنت حدودها ورسمتها مع الجارة تشاد بموجب حكم راسخ من محكمة العدل الدولية قبلته جميع الأطراف دون استثناء والمجتمع الدولي، وبالتالي حصنت ليبيا حدودها الرخوة وعليه لا يوجد أي أساس لنزاع حدودي جديد.
ثانيا: إن تشاد منطقة نفوذ فرنسية بالدرجة الأولى ولفرنسا قاعدة عسكرية هامة قرب العاصمة أنجامينا تدير منها عملياتها المعروفة “Barkhane” كما أن للولايات المتحدة اهتمام وتواجد في المنطقة في نطاق مكافحة الارهاب.
ثالثا: إن على الليبيين ألا يسمحوا بجرهم إلى مستنقع حرب أهلية بين الأشقاء التشاديين بحجة حماية الحدود أو مكافحة الإرهاب، فالحرب في الصحراء وخاصة “أكبر صحاري العالم” كالحرب في البحر لا يلزمها إلا السيطرة على مناطق العمران وعدا ذلك فهو هلاك، فالحدود الصحراوية ليست كقطع أرض متجاورة تفصلها أسوار من الطوب والاسمنت بل براح شاسع من بيئة صعبة تمتد مئات الأميال في كل اتجاه تواجه فيها الجيوش مخاطر لوجستية لا حدود لها.
رابعا: ضرورة عدم الانجرار إلى المواجهات العسكرية المباشرة إلا دفاعا عن السكان ومناطق العمران الليبية وعدم التورط في النزاع الأهلي التشادي إلا بالمساعي الحميدة، وقطعا ضرورة عدم الاصطفاف إلى جانب مواقف قوى عسكرية أجنبية إقليمية كانت أو دولية في النزاع بموجب أي حجة خاصة تلك المتعلقة بإرضاء حليف أجنبي للحصول على مكاسب سياسية أو تحالفات خدمة لموقفها في النزاع الداخلي الليبي، فذاك سيشكل حماقة سياسية وعملا خطرا وضارا بالمصلحة الوطنية الليبية ويزيد من معاناة الشعب التشادي وآلامه.
خامسا: إنه على الدبلوماسية الليبية مسؤولية والتزامات كبيرة لوضع سياسة خارجية عاجلة قوامها الحياد ورعاية المصلحة الوطنية وعدم الانجرار إلى التحيز والاصطفاف، والتشاور مع الدول المجاورة لتشاد: النيجر والسودان ونيجيريا والكاميرون وإفريقيا الوسطى، ومحاولة توحيد المواقف مع الجزائر ومالي ومصر، والتفاعل مع موقف أفريقي موحد من خلال الاتحاد الأفريقي يقي الشعب التشادي ويلات الحروب ويحمى الوطن وأهله من الآثار السلبية لذلك.
كما أنه على الدبلوماسية الليبية التحرك لتوظيف الموقف الأوربي عامة والموقف الفرنسي والإيطالي والأمريكي في ذلك الاتجاه واستثمار إمكانياتها في الحد من آثار مدمرة محتملة على حياة وحقوق الإنسان في الجارة تشاد لمساعدتها على تجاوز المحنة القائمة.
سادسا: الحذر من استخدام الأراضي الليبية ميدانا للصراع بين الفرقاء أو الزج بالشباب الليبي في أتون حرب “لا ناقة لنا فيها ولا جمل” ونذكّر بأن ما عُرف بالحرب على الإرهاب الذي شن في ليبيا ضد التنظيميات والمجموعات المسلحة المتطرفة قد ساهم في تأمين العالم، وعلى الأوربيين الآن تحمل مسؤوليتهم وعدم تحويل ليبيا إلى حفرة جهنم أخرى لمنع موجات اللاجئين والمهاجرين إليها كما فعلوا سابقا عندما قاموا بدعم مجموعات مسلحة محلية للفتك باللاجئين والمهاجرين، فليبيا ليست حارسا ولا سجنا لحماية أسوار أوروبا من اقتراب هؤلاء الضحايا من جديد.
فهل سيستفيد الليبيون من هذه الأزمات لتوحيد صفوفهم لحماية وجودهم كبلد ووضع خطة عاجلة للاهتمام بالجنوب الليبي وحمايته، أم سيبتلعون الطعم مجددا ويصبحوا بيدقا في نزاع خطير له أصول تاريخية لمناطق نفوذ دولية، وصراعات دولية للاعبين جدد ومغامرات سياسية مزعومة؟