الأخبارليبيا

الجزء الأوّل/ لأوّل مرّة.. عائلة من درنة تسرد قصّة محاربتها للإرهاب

صالح الشّاعري: اعتقلتني "بوسليم" ومارست ضدي أبشع أساليب التّعذيب وحكمت عليّ بالإعدام

أخبار ليبيا24-خاصّ

لم يحظ الإرهاب يومًا بتأييد شعبيّ كما أنه لم يمتلك حاضنة تحميه لتأييد أفكاره واستبداده الدّيني وأفعاله الإجراميّة الإنسانية التي تتمثل في (الخطف والذّبح والقتل والتّعذيب والتّنكيل).

عائلات كثيرة من درنة، اختارت لنفسها ألّا تكون تحت وطأة أقدام التنظيمات الإرهابية، ومن هنا  بدأت عائلة “صالح الشاعري” في مقاومة الإرهاب منذ ظهور ملامحه في مدينتهم الوادعة الجميلة.

وكالة “أخبار ليبيا24” وهي تستقصي عن البطولات علِمت بقصة أسرة “صالح الشاعري” وأجرت لقاءات مع الأب والأم والابنة.

الجزء الأوّل

في هذا الجزء يقول الأب “صالح عبد الرؤوف سليمان الشّاعري” وهو مقدم بجهاز مكافحة المخدرات درنة، منذ فبراير2011 م ظهرت ملامح الإرهاب في درنة؛ فبعد أن أُحرقت مراكز الشرطة ومديرية الأمن وثانوية الشرطة ومباني المحاكم والنيابات، ظهر ما يسمى بـ “كتيبة بوسليم” توجه المقاتلين منها لمقاتلة نظام القذافي وبقي قلة منهم بحجة تأمين المدينة.

في تلك الفترة يضيف “الشاعري”، تنادى بعض ضباط الأمن وفتحنا مركزًا للشّرطة بشركة الجبل وبدأنا العمل للحفاظ على أمن المدينة، إلى أن قتل القذافي يوم 20 أكتوبر 2011م ؛ هنا عاد مقاتلو التنظيمات الإرهابية إلى درنة بشراسة، وبدأت في استهداف المركز بشكل متكرر وتهديدنا.

ويتابع: “في تلك الأثناء اضطررنا لوقف العمل بالمركز، وهُجر بعضنا من المدينة، من ضمنهم أنا وأسرتي هُجّرنا إلى مدينة القبة غربي درنة، وتوالت عمليات التهجير القسري لسنوات لكل المحسوبين على المؤسسة العسكرية والأمنية في درنة إلى أن اختلفت “بوسليم” و “داعش” الذي ظهر بعد سنوات”.

وبما أن “بوسليم”، يقول “الشاعري”، بدت تظهر بمظهر أقل فتكًا من “داعش” عدنا لدرنة وشكلنّا خلية داخلها لدعم الجيش الوطني وتزود غرفة العمليات بالمعلومات عن تحركات الإرهابيين داخل المدينة.

يقول الشاعري: “خلال تلك الفترة كان معنا العميد عادل العبد، وصالح رواف، ومحمد لياس محمد، بومكنون، وعبد السلام البس، والحاسي ومجموعة كبيرة، وللأمانة في معركة “بوسليم” مع “داعش” لولا شباب ورجال درنة لما استطاعت “بوسليم” دحر “داعش” حيث كان المنطق السائد في تلك الفترة هو “أن من يقضي عليه منهما سيخفف من عبء الإرهاب عن المدينة”.

بعد سيطرت “بوسليم” على المدينة بـ “الإرهاب الناعم” – يصف الشاعري – بدأت الخلية في العمل من داخل درنة لرصد تحركات الإرهابيين.

يقول الشاعري: “كانت الحركة محسوبة ويعلم الله  قدر الحرص والمعاناة التي عانيناها في تلك الفترة، وبحكم أن الهواتف يمكن لـ “بوسليم” رصدها؛ فقد كان الضرورة ملحّة لجلب أجهزة اتصال لاسلكي وبعض الأسلحة والذخائر”.23 2

ويضيف، “في عام 2016م،  تطوّعت لجلب هذه الأجهزة من “حافظ المجدوب” من بلدة “كرسة” (ضاحية تقع غربي درنة) أخذت معي زوجتي وابنتي وبعد أن استلمت الأجهزة وردني اتصال من أحد رفاقي وأبلغني أن تنظيم “بوسليم” وردته معلومة عن خروجي من درنة للعمل ضدهم، وإنهم ينتظرون دخولي عند بوابة مدخل درنة الغربي للقبض عليّ متلبسًا”.

ويقول: “بعد ذلك الاتصال اخترت أن أتوجه إلى “الأثرون” (بلدة صغيرة تقع على بعد 43 كم غربي درنة) للمكوث عند صديقي “أشرف بوخطوة” الذي لم يدخل درنة منذ سنوات، وبعد أن أبلغته بما نقوم به، دون تردد وافق على نقل أجهزة اللاسلكي والذخيرة والأسلحة برفقة زوجته تصاحبه زوجتي وابنتي”.

ويتابع الشاعري: “توجه إلى درنة ويعلم الله إنها كانت مجازفة ومخاطرة كبيرة، ومن ثم لحقت بهم مباشرة رغم علمي بما تدبره “بوسليم” لي.

عند وصولنا إلى بوابة درنة الغربية أشار مقاتلي “بوسليم” إلى صديقي “بوخطوة” بالدخول، أمّا أنا فقد استوقفوني فورًا، وقاموا بتفتيش السيارة لم يتركوا أي زاوية فيها إلا وفتشوها، حتى أسفل السيارة”.

وفي هذا الموقف الصعب، يقول الشاعري، تظاهرت بأنني لا أعلم شيئًا، وحين توجيهي بالسؤال عن سبب هذا التصرف، أجابني أحدهم “إن هذه إجراءات أمنية”.

ويتابع: “بعد عجزهم عن ضبط أي شيء معي دخلت لدرنة واستلمت المنقولات وسلمتها لـ “محمد الخرم” الملقب بـ “نعناعة” وهو منسق المدنيين في الخلية”.

ويمضي الشاعري، يقول: “كنت شخصيًا أتبع غرفة معلومات الكرامة درنة بإمرة “العميد إدريس الدّرسي” لكن بعد تجربة أجهزة اللاسلكي اكتشفنا أنها لا تعمل، مما اضطرني لإعادتها، وبعد فترة اتّصل بي “العميد عادل العبد” ليبلغني بجاهزية عدد تسع أجهزة، وعلى الفور خرجت من درنة واستلمت الأجهزة برفقة “وليد عمر النعاس” وعدنا مباشرة إلى درنة قبل أن يلحظ خروجنا أحد”.

ويضيف، “بعد استلامنا للأجهزة بدأنا نزود الغرفة بالمعلومات والإحداثيات عن تحركات الإرهابين، بدأت أشعر أني مُتابع ومراقب، لقد كانت دائما هناك سيارة تتبعني وتلاحق تحركاتي، أبغلت رفاقي بذلك وزاد حرصي، وفي تلك الأثناء كنت استخدم سيارة أخرى استعيرها من أحد الجيران”.

وحول تعقبه ومطاردته، يقول الشاعري: “لم تمض أيام وبينما أنا أقود تلك السيارة وأثناء قيادة صهري، وابني لسيارتي الخاصة أمامي، استوقفت عناصر “بوسليم” سيارتي وبعد أن نظروا إلى السائق (صهري) رددوا قائلين: “ليس هو” لكن وبعد مشاهدتهم توجهوا مباشرة إليّ وسألوني: “أأنت صالح الشاعري؟” فأجبتهم: “نعم” وعلى الفور فتح أحدهم باب السيارة وغطوا وجهي وقيدوني و اقتادوني إلى جهة لم أعرفها”.

ويضيف، “من هُنا بدأت رحلة عذاب مريرة، سمعت من الكلام البذيء ما لا يخطر على بال بشر، كلمات لا يرددها أي عديم للأخلاق فما بالك بمن يدعي الدين والإيمان، مورست ضدي أشد أساليب التعذيب (جلد وتعليق وكهرباء) لقد كانت لديهم معلومات بأنني أجلب السلاح والأجهزة لداخل درنة وإنني أعطي الإحداثيات للجيش الوطني”.

ويستطرد الشاعري، قائلًا: “من ضمن من اُعتقل معي “المرحوم حسين الجازوي” المعروف بـ “كوشة ” (سبق للوكالة أن أجرت لقاءات مع عائلته) كما كان معي “عبد السلام البس” و “يوسف المالكي” – رحمة الله عليه- و “زياد بومكنون”، لقد كنّا نتعرض لمعاملة سيئة جدًا، من سيء لأسوأ”.

ويضيف، “أذكر أننا في تلك الفترة كنّا في فصل الشتاء، لقد أقدموا مرات عديدة على تعليقنا (عُراة) ليلًا وحتى الصباح إلى أن يغمى علينا من شدة البرد والتعب، في البداية كان كل منّا في حبس انفرادي، طلبوا مني أن أعترف على أسماء زملائي في الخلية؛ فقلت لهم “أنتم واهمون لا توجد خلية، أنا لن أظلم أحدًا” وبعد كل جلسة من جلسات الاستجواب اتعرض لمعاملة أسوأ من التي قبلها”.

ويتابع: “أربعة أشهر عشتها على هذا النحو، وبعد أن يئسوا من الحصول على أي معلومات مني جمعوني أنا و “زايد المدب” و “نوري بودراعة” و “عادل الحوات” و “وليد النعاس”، وحكم علينا بالإعدام من قبل “بوسليم”، كان معنا في نفس الزنزانة شخص تابع لتنظيم “داعش” وكانوا يرددون إننا وهذا “الداعشي” واحد وكانوا ينقلوننا ليلًا من مكان لآخر”.

ويضيف، “حاولت ذات مرة الفرار منهم لكن محاولتي باءت بالفشل، هنا بدأ الضغط القبلي والاجتماعي من قبل أقاربي على “بوسليم” ولأن الجيش بدأ في الضغط لتحرير درنة و “بوسليم” لا تريد أن تزيد من احتقان سكان درنة أحضروني لمكتب التحقيق وقالوا لي: “سيتم الإفراج عنك أنت و “زياد” وهو من أعضاء جهاز الأمن الداخلي، بشرط أن تغادروا درنة ولا تعودوا إليها، وفي حال عدم مغادرتكم لها ستتم تصفيتكم فورًا”.

ويقول الشاعري: “حضر مشايخ قبيلتي وأفرج عني وغادرت إلى القبة والتحقت بـ “العميد إدريس عبد ربه الدرسي” واقترحت عليه أن أنشئ سرية مقاتلة باسم “شهداء بولام” ومعي “محمد زيدان”، وافق على الفكرة وكُلفنا بكتاب رسمي بإنشاء سرية قتالية ولجمع المعلومات”.

وبعد تشكيلهم للسرية، أخذ “الشاعري” ومن معه تجميع كل المهجرين من درنة، وكل من تضرروا من الجماعات الإرهابية، ومن بينهم “أحمد الجحش” الذي تولى دعمهم ماليًا في تلك الفترة.

وبدأ أفراد الخلية من داخل درنة بتزويد “السرية” بالمعلومات عن الإرهابين، يقول الشاعري: “تمركزنا في بوابة “كرسة” وقمنا بأعمال التفتيش والتأمين إلى أن بدأ الجيش عملية تحرير درنة، ودخلناها و كان ضمننا نازع الألغام “المرحوم حسين كوشة”.

وبعد تحرير درنة أصبح “الشاعري” معاونًا لجهاز مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية.

وحول عمله الجديد يقول الشاعري: “أنا الآن أعاني في عملي من الإهمال، البعض يتهم ضباط درنة بالولاء لـ “داعش” أنا لم أعلن انضمامي للتنظيم ولم أقدم على “الاستتابة” وما قدمناه للوطن ليس مِنّة أو تَجمٌّلًا عليه، ولكن “الكارثة” أن تُظلم ويلغى تاريخك في مقاومة الإرهاب”.

 

 

المزيد من الأخبار

زر الذهاب إلى الأعلى