تقاريرالأخبارصحةليبيا

أخ يروي مأساة اختطاف أخيه “المغيّب” على يد الإرهابيين في درنة… توفي والدي وفي قلبه حسرة من عدم معرفة مصير ابنه المغيّب

أخبار ليبيا24- خاصّ
لازال مصير “خليل جاد المولى عبد الرحيم الغيثي” أحد أفراد مديرية أمن درنة مجهولًا، على الرغم من انقضاء نحو خمس سنوات على اختطافه من قبل التنظيمات الإرهابية المُسيطرة على مدينة درنة آنذاك.

فمنذ بزوغ ثورة السابع عشر من فبراير، ظهرت علامات تدل على وجود التنظيمات المتطرفة في درنة، حيث بدأ وجود تنظيم “القاعدة” يظهر للعيان بارتكابه عمليات اغتيال وخطف، طالت أفراد الأجهزة الأمنية خاصة التابعين لجهازي الأمن الداخلي والخارجي.

يقول أخ خليل المكلوم، “أكرم”، وهو مدرب بثانوية الشرطة درنة، في حديثه لأخبار ليبيا 24، ” كُنا نجد جثثهم في الوديان بمحيط درنة “.

يصف أكرم، الوضع في مدينة درنة منذ اندلاع ثورة السابع عشر من فبراير عام 2011، قائلًا: “ما حدث في درنة خلال تلك الفترة منذ بداية ثورة السابع عشر من فبراير كان واضحًا؛ فمع توغل وتغول الفكر الإرهابي شُكلت “كتيبة أبوسليم ” وانقسمت لقسمين، قسم ذهب لمواجهة قوات القذافي في البريقة بقيادة “سالم دربي” وجزء آخر بقي في درنة لتأمينها حسب زعمهم، بقيادة “فتحي عجيب” الذي كان تابعًا للجنة الأمنية العليا إضافة إلى “عبد القادر عزوز”.

وتابع: “في تلك الفترة لم يكن هناك تنظيم أنصار شريعة وغيره من التنظيمات الإرهابية، كانت توجد فقط كتيبة أبوسليم.”

وقال أكرم: “بدأت الاغتيالات فورًا، وطالت أعضاء من الأمن الداخلي أحدهم الضابط “فاضل الشلوي” عام 2013″.

وأضاف، “تم استيقاف “الشلوي” وسط درنة أثناء مرافقته لأسرته “بناته وزوجته”، قال لهم: “أوصل أسرتي وأعود إليكم”، غير أنهم أنزلوه وقتلوه أمام زوجته وبناته، وتركوه غارقًا في دمائه وسط الطريق، ومازالت أسرته تعاني من أثر ذلك إلى الآن”.

وأضاف أكرم، “والدي عضو بمجلس أعيان درنة وشيخ معروف، اجتمع أعيان درنة وحضر قيادات التنظيمات الإرهابية، في تلك الأثناء هددهم والدي بشكل علني، وقال لهم: “إن ما يقومون به بعيد عن الدين والإسلام” وطالب بدخول الجيش لتأمين درنة وانقاذها من براثن الإرهاب والفوضى”

يستطرد أكرم، قائلًا: “مقاطع الفيديو منتشرة لهذه الحادثة”.

وأضاف، “كان من ضمن الحضور “سفيان القومة وحكيم الحصادي” ومنذ ذاك الاجتماع، وضِعت عائلتنا تحت أنظار التنظيمات الإرهابية، وأصبحت مستهدفة من قبلها “.

وقال أكرم: “هنا دخل أنصار الشريعة وظهر مسمى “مجلس شورى شباب الإسلام” الذي تظاهر حينها بحل المشاكل بين المواطنين “.

وأضاف، “هذا المجلس نفذ أحكامًا تخص “قصاص الجلد” وغيرها على المواطنين.

لقد اتخذوا من مقر “اللجنة الشعبية درنة سابقا” مقرًا لهم “.

يتابع أكرم، قائلًا: “في الحقيقية كان المجلس عبارة عن “تنظيم داعش” حيث أعلن عن نفسه لاحقًا، كما أعلن تحالفه مع “كتيبة أبوسليم”.

وأضاف، “بدأ التنظيم في الاستيلاء على سيارات المواطنين بحجة التجهيز لقتال الجيش، كما انتهج عمليات الإخفاء القسري لمعارضيه، إضافة لقيامه بعمليات اغتيال طالت النشطاء والحقوقيين والعسكريين والأمنيين “.

وعرف أكرم بأخيه وقال: “أخي “خليل” شرطي مساعد ضابط يتبع مديرية أمن درنة متزوج ولديه سبعة أبناء، في بداية ثورة السابع عشر من فبراير عام 2011، وبعد الهجوم على مديرية الأمن، قام بإخراج “العميد منصور إسكيليح” مدير الأمن آنذاك و”صالح رجب” وأوصلهم إلى مدينة القبة “.

وأضاف، “أخي “خليل” هو آخر من نفذ تعليمات عسكرية في درنة، حيث طلب منه العميد “صالح رجب” بعد أن وصل للقبة، أن يحرق مخزن السلاح بالمديرية “.

وقال أكرم: “دخل أخي “خليل” وأحرق مخزن السلاح، بعد أن نقل صندوق يحتوي على 54 مسدسًا وسلّمها لمدير أمن درنة لاحقًا، في هذه العملية تعرض لحروق وعولج في مستشفى القبة”.

وأضاف، “اشترى “خليل” سيارة دفع رباعي نوع “فورد” بملغ 4 آلاف دينار، قلت له: “هذه السيارة ستجلب لنا المشاكل” فرد عليّ قائلًا: “هي حِكْرٌ على القمْل” في إشارة منه لأفراد التنظيمات الإرهابية”.

وتابع: “في اليوم التالي حضر أفراد من الجماعات الإرهابية وعرضوا عليه مبلغ 10 آلاف دينار، مقابل أن يبيعهم السيارة، أبلغوه أنهم بحاجة إليها لتحويرها حتى تحمل سلاح نوع “23” وتوضع على تبة بمنطقة عين مارة (منطقة ريفية تقع بين مدينتي القبة ودرنة)

وقال: ” كان رد خليل عليهم “والله لن أبيعكم سيارة ترد على أهلي”، كان ذلك في بداية عام 2014.

في اليوم التالي حضر ابن عمي، وكانوا قد أرسلوه ليعرض على أخي مبلغ 15 ألف دينار مقابلها، فرفض، بعدها عرضوا عليه أن يقوموا بتأجيرها مقابل مبلغ أسبوعي، فرفض خليل.

وأضاف أكرم، “كان “خليل” لا يقوم بأي عمل لصالح التنظيمات الإرهابية، كان يوجه لهم كلمات لاذعة، فطلبت منه أن يخرج من درنة، لكنه رفض “.

وقال أكرم: “بعد رفض أخي العروض المقدمة بخصوص السيارة، بدأت قصة “نبرأ من دمائكم و الاستتابة”.

وأضاف، “خرجنا من درنة مُهجرين إلى منطقة لملودة (قرية في ليبيا تقع على بعد 40 كم غرب مدينة درنة) حيث استُقبلنا هناك من قبل أقاربنا”. وقال أكرم: “جميع أخوتي أفراد شرطة، أخي منصف في الجوازات خليل في مديرية الأمن، وأنا مدرب أسلحة ومشاة بثانوية الشرطة، وطلال في الدعم المركزي”.

وأضاف أكرم، “في تلك الأثناء خرجت درنة في مظاهرات حاشدة تطالب بالجيش والشرطة، كان المدينة تحت سيطرة أنصار الشريعة، وكتيبة أبوسليم فقط، ففزعت هذه التنظيمات وفر أفرادها إلى خارج درنة وأخلوا معسكراتهم”.

وقال: “أخي خليل كان أحد الذي هجموا على مقر ثانوية الشركة المحتل من قبل جماعة سفيان القومة”.

وتابع أكرم، يقول: “خلال ستة أشهر عانينا ظروفًا قاسية لا يمكن وصفها، وبعدها اتصل أحد جيران أخي منصف، وأخبره بأن أفرادًا تابعين للتنظيمات الإرهابية اقتحموا شقته “.

وأضاف، “في تلك الفترة رزق أخي خليل بـ “توأم” فقرر أن يحضر برفقة والدنا إلى درنة لتسجيلهما لدى السجل المدني، لم ينتبه له أحد لأنه غير سيارته الـ “فورد” بسيارة أخرى نوع ” هيونداي سنتافي”، قام بتسجيل ابنائه ومن ثم ذهب لشقة أخي لتفقدها بعد عملية الاقتحام”.

وقال أكرم: “في الأثناء اتفق خليل مع ورشة حدادة لتركيب باب حماية لشقة أخي، أنزل والدي في منزله ووقف أمام العمارة التي بها شقة أخي ينتظرعودة التيار الكهربائي ليبلغ الورشة؛ لكي يحضروا ويقوموا بتركيب الباب لأن الكهرباء تنقطع لفترات طويلة”.

هنا يسترجع أكرم، اليوم الذي اختفى فيه “خليل”، قائلًا: “اختفى خليل يوم 20 ديسمبر 2014”.

وأضاف، “اتصل بنا الوالد وأخبرنا أن خليل خُطف، قال والدي بالحرف الواحد: “تعالوا ابحثوا عن جثة أخيكم”، وعلى الرغم من المخاطر دخلنا درنة وبدأنا رحلة البحث “.

وتابع أكرم: “أتصدق أننا لعدة أيام، سرنا لمسافة أكثر من 60 كلم بحثًا عن خليل، أخذنا نجوب شاطئ البحر من بداية درنة حتى رأس الهلال غربًا، بعدها بحثنا في الفتائح، لكن دون جدوى “.

وأضاف، “للأسف أن يكون ابن عمك، منتمي لتنظيم داعش، يقف متفرجًا على شخص “تونسي” وهو يقوم بتفتيشك أنت وإخوتك وأبيك!!”.

وقال أكرم: “في تلك اللحظة، كان والدي يقول: “يمرطزوك توانسة وابن اخيك يتفرج”.

خرجنا من التفتيش بأعجوبة، بعد أن قال أحد الذين يقومون بتفيش والدي “يا إجويدة.. خوذ ضناك وانزلوا لدرنة”.

يتابع أكرم: “عدنا للبيت وبعد لحظات وصلت سيارة لتنظيم داعش يستقلها ابن عمي ليقول لي: “نبرأ من دمك”، فقلت له: “سلمني جثة أخي ولن تراني بعدها”، فقال لي: “أنتم في لملودة تبرأتم منّا “.

وأضاف أكرم: “هنا خرج والدي، فنهره وسبه، كانت هذه الحادثة بعد اختطاف أخي خليل بنحو أسبوعين.

وبعد أيام قليلة من اختطاف “خليل” تم ذبح “عبد النبي الشرقاوي”

في المسجد العتيق، والجرم الذي وجّه إليه هو أنه محسوب على القوات المسلحة.

وقال أكرم: “بعد أسبوع بدأ “الشارع الدرناوي” في قتال داعش وليس أبوسليم كما روّج لها، و لولا شباب درنة لكانت داعش قضت على أبوسليم وسيطرت على درنة”.

وأضاف، “انتهت داعش في درنة ولا معلومات على خليل، وبدأت جماعة أبوسليم بتصفية المحسوبين على داعش، لأنهم قاموا باغتيال أفراد من جماعتها “.

وقال أكرم: “سيطرت أبوسليم على درنة وفتحوا السجون، لتظهر بمظهر المنقذ، لم تتعرض أبو سليم للمحسوبين على الأجهزة الأمنية بشكل علني، إلا إذا أحست أنك تمثل خطرًا عليها من خلال قيامك بالتجمعات أو الاتصالات مع القوات المسلحة ومن يحرض عليهم”.

وأضاف، “أصبحت أبو سليم تريد أن تلعب دورًا سياسيًا ضد تقدم القوات المسلحة لتحرير درنة، فكانت تدعو منظمات المجتمع المدني ومجلس الأعيان والحكماء لإصدار بيانات ضد القوات المسلحة”.

وقال أكرم: “دُعي والدي هو والمرحوم الشيخ علي بوهليل لحضور اجتماع لمجلس الأعيان بدرنة مع قادة أبوسليم، فرفضا الحضور كغيرهم من بعض مشايخ قبيلة العبيدات الذين يمثلون ثقلًا في درنة “.

وأضاف، “حضر ذلك الاجتماع قلة لا يمثلون إلا أنفسهم أو المحسوبين على كتيبة أبوسليم “.

وقال أكرم: “في تلك الفترة أسست مديرية أمن درنة في منطقة أم الرزم. جاءني اتصال من زميل في ثانوية الشرطة وطلب مني الحضور إلى القبة من دون ذكر أي تفاصيل.

توجهت إليه ومن القبة توجهنا إلى أم الرزم”. وأضاف، ” كان زميلي مكلف بجناح التدريب في مديرية أمن درنة، طلب مني أن أتولى تدريب المستجدين، وبالفعل بدأت معهم لمدة يومين أو ثلاثة أيام في الأسبوع

كنت أغادر درنة متوجهًا إلى أم الرزم لأقوم بتدريب الدفعة الجديدة من الشرطة”.

وتابع: “كانت جماعة أبوسليم تطلب والدي لأنه لم يرضخ لهم، لكن وفي محاولة للضغط عليه خطف عناصرها أخي “طلال” الذي كان أحد أفراد الدعم المركزي “.

وقال أكرم: “هنا اتصل بي والدي وأمرني أن أغادر درنة فورًا، لأن من الممكن من خلال التعذيب أن يدلي أخي “طلال” بمعلومات تفيد بقيامي بتدريب العسكريين الجدد”.

وأضاف، “بعد خمسة أيام من اختفاء “طلال” تعرف أهلي على مكان وجوده، وبالتواصل مع عناصر أبو سليم، تحججوا أنهم أوقفوا أخي “طلال” لقيامه بسرقة مضخة مياه، وبعد أيام سُمح لنا بزيارته”. وقال أكرم: ” خلال أول زيارة اكتشفنا أن “طلال” تعرض للتعذيب، لقد كان جسمه محطمًا، ولا يستطيع الوقوف “.

وأضاف، “بعد أربعة أيام حضر لمنزلنا المدعو “حاتم ميزون” قائد ميداني في أبوسليم وهو كذلك آمر السجن، وقال لأخي: “يا بو الغيثي، إذا أردتم أن يطلق سراح أخيك “طلال” فعلى والدكم أن ينضم إلى مجلس الأعيان. نحن سنقوم بإرضائكم عرفيًا ويقصد بذلك “مسار “.

وتابع أكرم: “دخل أخي على والدي وأبلغه بفحوى الرسالة، فرد والدي، يقول: “والله ما هو أعز من خليل، لن أكون بوقًا لهؤلاء الإرهابيين ولن يكتب عليّ ذلك”.

وقال أكرم: “بعد أيام تواصل مع أخي أحد أفراد تنظيم أنصار الشريعة وطلب منه أن يدفع فدية مالية ليقوم بفتح باب الزنزانة عليه ليهرب، دفع والدي الفدية، وفرّ “طلال” من سجن أبوسليم إلى بنغازي، واستقر عند أهل زوجته وعولج هناك”.

وأضاف، “بعد ذلك عدنا إلى درنة، ومع ضغط القوات المسلحة انشغلت “أبو سليم” عن المدينة، وأصبحت تحسب ألف حساب لأي احتقان داخلي، خاصة بعد مقتل الشيخ السلفي “أكريكش” والذي سبب مقتله ضجة كبيرة في درنة”.

وقال أكرم: “توفي والدي يوم 28 فبراير 2018 ولم يتمكن بعض إخوتي المهجرين من حضور العزاء في تلك الفترة، لأن “مجلس شورى مجاهدي درنة” كان يبسط سيطرته على المدينة “.

وأضاف، “توفي والدي وفي قلبه حسرة من عدم معرفته مصير ابنه المغيب”.

وأضاف، “دخلت القوات المسلحة وحررت درنة من براثن الإرهاب وما زالنا ننتظر معرفة مصير أخي “خليل”.

المزيد من الأخبار

زر الذهاب إلى الأعلى