تقاريرليبيا

البابا في حوار مع “أخبار ليبيا24” : دستور 1951 غير المعدل غير صالح… وتبني النظام الفدرالي ليس ضمانة لتغول السلطة المركزية

أخبار ليبيا24- خاص

يرى عضو هيأة صياغة مشروع الدستور ورئيس لجنة الحكم المحلي إبراهيم البابا أن دستور 1951 غير المعدل أو حتى بعد تعديله في سنة 1963، يحوي العديد من الإشكاليات التي تجعله غير صالح لأن يكون دستوراً لليبيا الآن.

ويقول البابا أيضاً في حوار أجرته معه “أخبار ليبيا24” إن مشروع المسودة الأخير تم إعداده من هيأة منتخبة وتم اعتماده بالتوافق بـ 43 عضو من أصل 58 وهي نسبة عالية جداً حتى لو قارناها بتجارب دستورية مقارنة، والتوافق لا يعني الإجماع، هذا وغيره في الحوار التالي:

هناك جدل حول قانون الاستفتاء فهناك من يطالب بأن تكون هناك دائرة واحدة وهناك من يرى بوجوب زيادتها إلى ثلاث دوائر بحسب الأقاليم..ما رأيك؟

تقسيم ليبيا إلى ثلاث دوائر من الناحية القانونية سيكون محل طعن أمام القضاء، فهذا التقسيم غير وارد في التعديل السابع من الإعلان الدستوري، حيث نص في النقطة 12 من المادة الأولى على أنه “إذا وافق الشعب الليبي على المشروع بأغلبية ثلثي المقترعين تصادق الهيأة على…” فلم يكن هناك ذكر للدوائر الثلاث.

أما من الناحية التطبيقية فتقسيم ليبيا إلى ثلاثة دوائر سوف يجعل من عملية إقرار الدستور مسألة صعبة للغاية خصوصاً في وجود شرط صعب آخر وهو وجوب موافقة أغلبية ثلثي الشعب الليبي وأن جل التجارب الدستورية تشترط في موافقة نصف الشعب.

ما الخيارات المتاحة في حال فشل مجلس النواب في إصدار قانون الاستفتاء على مسودة الدستور؟

إذا فشل مجلس النواب في إصدار قانون الاستفتاء فإن البدائل هي أن يصدر المجلس الرئاسي لائحة لتنفيذ العملية الاستفتائية، أو تتولى المهمة المفوضية الوطنية العليا للانتخابات وفق التعديل السابع للإعلان الدستوري، فكل ما تحتاجه العملية الاستفتائية منصوص عليه في الإعلان الدستوري، مثل: الأغلبية المطلوبة من الشعب، واعتبار ليبيا دائرة واحدة.

ما تعليقك على مطالبات البعض بتفعيل دستور 51 للبلاد بعد تعديله؟

دستور 1951 غير المعدل أو حتى بعد تعديله في سنة 1963، يحوي العديد من الإشكاليات التي تجعله غير صالح لأن يكون دستوراً لليبيا الآن، أما تعديله، كما ينادي به بعضهم، فلا يمكن من الناحية العملية لأسباب أهمها: تبني النظام الملكي، وهو ملكية مطلقة، وهذا مع كونه متناقضاً مع مبادئ الديمقراطية التي تبنى على الفصل بين السلطات والتوازن والرقابة بينها، فإنه لا يمكن معالجته باستبدال كلمة الملك بالرئيس كما يقترح بعض المؤيدين لذلك.

المسألة الأخرى، السلطة القضائية في دستور المملكة سلطة ضعيفة بل إن السلطة التشريعية هي من تضع هياكلها واختصاصها، بالإضافة إلى ذلك فكثير من الحقوق والحريات المنصوص عليها في الدستور تكون مقيدة بنصوص مثل “على النحو الوارد في القانون”، فيمكن تقييد الحق أو الحرية بالقانون الذي سيصدر من السلطة التشريعية.
أخيراً هناك العديد من الحقوق والحريات التي لم يُنص عليها في هذا الدستور؛ بسبب ظروف الزمن الذي وضع فيه.

كنت من المصوتين بنعم على المسودة، برأيك ما هي نقاط القوة في هذه المسودة؟

قبل الحديث على النصوص فإن أهم نقطة قوة في هذا المشروع أنه تم إعداده من هيأة منتخبة وتم اعتماده بالتوافق بـ 43 عضو من أصل 58 وهي نسبة عالية جداً حتى لو قارناها بتجارب دستورية مقارنة، والتوافق لا يعني الإجماع، فكل دوائر ليبيا الـ 11 هي ممثلة في هذا المشروع وكذلك تم اعتماده من قبل 15 عضو من أصل 18 من منطقة طرابلس و 17 من أصل 20 من منطقة فزان و 11 من أصل 19 من منطقة برقة، وأيضا تم اعتماده داخل ليبيا في مدينة البيضاء تحديداً.

أما من ناحية النصوص فهذا المشروع يقوم على عدة مبادئ أساسية كمبدأ الفصل بين السلطات والتوازن والرقابة بينها والتداول السلمي على السلطة ومبدأ المساواة بين المواطنين والمواطنات مع وجود تمييز إيجابي لبعض الفئات كالمكونات والمرأة وتمييز إيجابي لبعض المناطق كمناطق إنتاج الثروات ومبدأ اللامركزية الموسعة في إطار وحدة الدولة ويضمن الكثير من الحقوق والحريات.

لو كان التصويت على الدستور في هيأة الستين مادة مادة وليس بالمجمل كما حصل، ما هي المواد التي كنت سترفضها؟

تقييم مشروع الدستور يكون بنسبة الرضا بشكل عام فإذا تحدثنا على مسألة رفض المشروع بسبب مواد محددة فسيصعب حتى على العائلة الواحدة أن تتفق على دستور.

بالنسبة لي كنت من مؤيدي التفصيل أكثر على المستوى المحلي وتحديد حتى المناطق ولكن جل أعضاء الهيأة من مناطق ليبيا الثلاث يرفضون ذلك وكذلك جل المقترحات المقدمة من مناطق ليبيا المختلفة والتواصل معها يرفضون التفصيل على المستوى المحلي ويفضلون تركه للسلطة التشريعية فكان البديل هو التفصيل على المستوى الوطني من ناحية المشاركة في السلطة التشريعية واختيار رئيس الدولة وتوزيع كافة المؤسسات سواء السيادية أو الدستورية أو الشركات العامة والمؤسسات ووضع مبادئ حاكمة للمشرع فيما يخص الحكم المحلي كمبدأ اللامركزية الموسعة والتدبير الحر والتفريع وغيرها.

ما تقييمك لحقوق مكوني التبو والطوارق في المسودة؟

ما تم النص عليه من حقوق وضمانات للمكونات في مشروع الدستور متقدم جداً مقارنة بدساتير عربية وغربية ولذلك فإن مكون الطوارق هو مؤيد للمشروع وبعض هذه الضمانات والحقوق كالآتي:

تسمية ليبيا بالجمهورية الليبية: حيث تم تسمية ليبيا بالجمهورية الليبية من غير ذكر اسم العربية في اسم الدولة (المادة 1).

الهوية الليبية الجامعة والمتنوعة: بحيث تقوم الهوية الليبية على ثوابت جامعة ومتنوعة ويعتز الليبيون بكل مكوناتهم الاجتماعية والثقافية واللغوية وتعد ليبيا جزءاً من الوطن العربي وأفريقيا والعالم الإسلامي ومنطقة حوض البحر الأبيض المتوسط (المادة 2).

اللغات الليبية: تعد اللغات التي يتحدث بها الليبيون أو جزء منهم ومن بينها العربية والأمازيغية والتارقية والتباوية تراثاً ثقافياً ولغوياً ورصيداً مشتركاً لكل الليبيين وتضمن الدولة اتخاذ التدابير اللازمة لحمايتها وضمان المحافظة على أصالتها وتنمية تعليمها واستخدامها (المادة 2).

ضمانات إدماج اللغات الليبية الأخرى: اللغة العربية لغة الدولة، وينظم القانون في أول دورة انتخابية تفاصيل إدماج اللغات الليبية الأخرى في مجالات الحياة العامة على المستوى المحلي ومستوى الدولة (المادة 2).

المساواة وعدم التمييز بسبب العرق أو اللون أو اللغة: المواطنون والمواطنات سواء في القانون وأمامه لا تمييز بينهم وتحظر أشكال التمييز كافة لأي سبب كان كالعرق أو اللون أو اللغة أو الجنس أو الميلاد أو الرأي السياسي أو الإعاقة أو الأصل أو الانتماء الجغرافي وفق أحكام هذا الدستور (المادة 7).

إضافة إلى اللغات والثقافات الليبية: للأشخاص أفراداً وجماعات الحق في استخدام لغاتهم وتعلمها والمشاركة في الحياة الثقافية وتضمن الدولة حماية اللغات الليبية وتوفر الوسائل اللازمة لتنمية تعليمها واستخدامها في وسائل الإعلام العامة كما تضمن حماية الثقافات المحلية والتراث والمعارف التقليدية والآداب والفنون والنهوض بها ونشر الخدمات الثقافية (المادة 55).
ضمان التمثيل في مجلس النواب: ضمان تمثيل الحد الأدنى للمكونات الثقافية واللغوية (الأمازيغ والطوارق التبو) في تكوين مجلس النواب (المادة 68).

ضمان التمثيل في مجلس الشيوخ: ضمان تمثيل المكونات الثقافية واللغوية (الأمازيغ والطوارق والتبو) بواقع عضوين من كل مكون في مجلس الشيوخ (المادة 75).

ضمان التمثيل في المجلس الوطني لحقوق الإنسان: ضمان تمثيل المكونات (الأمازيغ والطوارق والتبو) في المجلس الوطني لحقوق الإنسان (المادة 159).

دسترة هيأة لحماية الموروث الثقافي واللغوي وضمان تمثيلهم فيها: دسترة هيأة تسمى المجلس الوطني لحماية الموروث الثقافي واللغوي يتولى تنمية اللغات الليبية وحمايتها كالعربية والأمازيغية والتارقية والتباوية والمحافظة على الموروث الثقافي واللغوي المتنوع للشعب الليبي وتوثيقه والاهتمام به بما يكفل المحافظة على أصالته في إطار الهوية الليبية الجامعة

ويراعى في إدارة هذا المجلس تمثيل المكونات الثقافية واللغوية (الأمازيغ والطوارق والتبو) (المادة 160).

عدم تعديل الضمانات الخاصة به إلا لغرض تعزيزها: عند تعديل الدستور لا يجوز المساس بالمبدأ الذي تقوم عليه المادة (2) (الهوية واللغة) ولا بالضمانات المتعلقة بالحقوق والحريات إلا لغرض تعزيزها (المادة 194).

أما أسباب رفض عضوي التبو يمكن تلخيصها في ثلاث نقاط أساسية هي إلغاء تكوين لجنة قضائية تختص بمراجعة حالات الجنسية الصادرة اعتباراً من 15 / 02 / 2011م (المادة (186) النقطة (4))، واعتبار أن هذا النص نص تمييزي وسيستخدم ضد التبو، ووجود هذا النص مهم جداً خصوصاً ما حدث بعد 2011 من إصدار الكثير من القرارات من سلطة وليس تزوير، مخالفة لقانون الجنسية رقم (24) الصادر عام 2010م.

والنص على محافظتين وهما محافظة (قدرفي – ربيانا – واو الناموس) ومحافظة ( القطرون – تاجرهي) في مشروع الدستور رغم أن المشروع لم ينص على أي محافظة ووضع معايير للمشرع عن تقسيم الدولة الليبية إلى محافظات وبلديات (المادة 144).

النص على ضمان تمثيل المكونات بما فيها مكون التبو في تشكيل أي سلطة تنفيذية في الدستور مضيفاً: هذا فيه تقييد للسلطة التنفيذية وتشكيلها التي من المفروض أن تكون مبنية على الكفاءات وليس المحاصصة.

وعلى الرغم من ذلك فقد نص مشروع الدستور على ضمان تمثيل المكونات والتي من بينها مكون التبو في مجلسي النواب (المادة 68) والشيوخ (المادة 75) وفي بعض الهيئات مثل المجلس الوطني لحقوق الإنسان (المادة 159) والمجلس الوطني لحماية الموروث الثقافي واللغوي (المادة 160).

هناك مطالبات بإعطاء المدن المجاورة لحقول النفط نسبة من إيراداتها؟ لماذا لم نرى شيئاً بهذا المطلب في المسودة؟
هذا غير دقيق فما تم النص عليه في مشروع الدستور فيما يخص مناطق الثروات الطبيعية يعتبر فيه بضمانات كبيرة ولن تجده في كثير من الدساتير بل حتى في دستور 1951 غير المعدل، حيث نصت المادة (171)على تمييز إيجابي لمناطق الإنتاج بتخصيص جزء من إيرادات الخزانة العامة لتمويل مشاريع تنموية بديلة للثروات غير المتجددة (النفط والغاز وغيرها) في مناطق إنتاج هذه الثروات وفق إمكانياتها المكانية ووفق قانون يصدر في أول دورة انتخابية، بالإضافة إلى العديد من النصوص الدستورية الخاصة بالحق في العيش في بيئة سليمة وحماية البيئة بشكل عام.

هناك مطالب بإعطاء صلاحيات أكثر لبنغازي بخاصة في مقرات الحكومة والبرلمان والهيئات المهمة في الدولة، ما رأيك؟
مدينة بنغازي وفق لنص المادة (90) هي مقر مجلسي النواب والشيوخ وبالتالي هي العاصمة التشريعية هذه من ناحية الرمزية، أما من ناحية الفاعلية فكل القوانين والقرارات التي تصدرها السلطة التشريعية تصدر من مدينة بنغازي وهذا النص لا يوجد في أي دستور في العالم وهو أقوى حتى من نص المادة (188) في دستور 1951 والذي نص على أن لليبيا عاصمتان طرابلس وبنغازي حيث ضمن رمزية لمدينة بنغازي دون فاعلية فمن الناحية القانونية لا يوجد ما يمنع دستورياً أن تكون كافة مؤسسات الدولة السيادة وغيرها في مدينة طرابلس، بالإضافة إلى توزيع المقار السيادية فقد نص مشروع الدستور على توزيع العديد من الهيئات والمؤسسات وذلك وفق الآتي:

الهيئات الدستورية المستقلة: وعددها أحد عشر هيأة (المفوضية الوطنية العليا للانتخابات – ديوان المحاسبة – المجلس الوطني لحقوق الإنسان – المجلس الوطني لحماية الموروث الثقافي واللغوي – مجلس البحوث الشرعية – هيأة التنمية المستدامة – هيأة للرقابة الإدارية – هيأة للشفافية ومكافحة الفساد – هيأة للإحصاء – مجلس أعلى للإعلام والصحافة – مجلس للعلوم والتقنية والابتكار) وقد نصت المادة (154) على مراعاة توزيع هذه الهيئات جغرافياً وأيضا نصت المادة (196) على أن السلطة التشريعية ( مجلس النواب ومجلس الشيوخ) يحدد مقارها في أول دورة انتخابية.

مؤسسات أخرى: وهي هيأة ذكرت في أبواب متفرقة في مشروع الدستور مثل مصرف ليبيا المركزي والمجلس الاستشاري للحكم المحلي وهيأة للمياه وهيأة للعدالة الانتقالية والمصالحة وأيضا يحكمها نص المادة (196) بحيث تحدد مقارها في أول دورة انتخابية من قبل السلطة التشريعية (مجلس النواب ومجلس الشيوخ).

المشروعات والمصالح والشركات العامة: حيث نصت مادة العدالة الاجتماعية المادة (22) على ضمان الدولة توزيعاً مناسباً للمشروعات والمصالح والشركات العامة بين كافة المدن والقرى بما يكفل توزيع فرص العمل وتشجيع الاستثمار ومراعاة للمناطق الأقل نمواً بما يضمن إزالة الاختلال وتحقيق التوازن التنموي.

هل تعرضتم لأية مضايقات خلال فترة عملكم بالهيئة في البيضاء؟
المضايقات وقعت في يوم اعتماد المشروع وبعده، حيث تعرض أعضاء الهيأة يوم التصويت للضرب والإهانات وحصار لأكثر من خمس ساعات في مقر الهيأة في مدينة البيضاء، وكذلك التحريض الإعلامي الكبير الذي تبنته بعض القنوات على مشروع الدستور وأعضاء الهيأة المصوتين وشيطنتهم وتصنيفهم، والهدف من ذلك كله هو عرقلة المسار الدستوري للدولة الليبية الذي سينتج عنه سلطات ومؤسسات وفق دستور دائم ينهي المراحل المؤقتة التي جلبت الفوضى والفساد.

برأيك ما هي الضمانات في المسودة المقترحة بعدم حصول مركزية في طرابلس؟
بصفتي أيضاً كرئيس للجنة الحكم المحلي فإنني أُؤكد على أن هذا المشروع في حال تبني سوف يقضي على المركزية بشكل كبير، إن مسألة اللامركزية و الحكم المحلي في دستور ليبيا المعتمد من الهيأة التأسيسية كانت إحدى المسائل الرئيسية التي أخذت الكثير من المناقشات في الهيأة.
لقد خصصت الهيأة التأسيسية باباً كاملاً للحكم المحلي وذكرت أيضا مواد أخرى متفرقة لها علاقة بوحدات الحكم المحلي. بالإضافة إلى ذلك، فالقوانين الخاصة بالحكم المحلي تخضع لرقابة مجلس الشيوخ، أي يتطلب إقرارها موافقة المجلسين كلاً على حدة (المادة 79).
ومن أهم ملامح الحكم المحلي في مشروع الدستور الليبي ما يلي:
المبدأ العام: إن المبدأ العام للحكم المحلي في مشروع الدستور هو قيامه على اللامركزية الموسعة والتزام الدولة دعمه في إطار وحدة البلاد (المادة 143)، وهذا النص يعطي إمكانية للسلطات في الدولة تشريعية كانت أو تنفيذية للذهاب إلى أقصى درجات اللامركزية.

الاستقلالية: تمتع المحافظات والبلديات بالشخصية الاعتبارية والاستقلال الإداري والمالي (المادة 145).
الإدارة المستقلة: تدار مصالح البلديات والمحافظات وفق مبدأ التدبير الحر أو الإدارة المستقلة أو الذاتية (principle of administrative autonomy) (المادة 145)، يعني لا يوجد مستوى وصي على مستوى آخر من مستويات الدولة المختلفة والتي تتكون من البلديات والمحافظات والسلطة المركزي.

الاختيار: يتم اختيار مجالس المحافظات والبلديات بالانتخاب العام السري المباشر (المادة 146).

الاختصاصات: تتمتع المحافظات والبلديات بصلاحيات ذاتية وصلاحيات منقولة من السلطة المركزية وصلاحيات مشتركة معها، على أن توزع الصلاحيات المشتركة والمنقولة استناداً إلى مبدأ التفريع ((principle of subsidiarity (المادة 147)، ومبدأ التفريع يعني أن الأصل في الاختصاص هو المستوى الأدنى (البلديات) مع قدرتها على القيام به.

إصدار اللوائح والقرارات: تختص البلديات والمحافظات بإصدار اللوائح والقرارات (المادة 147).

التمويل الذاتي: للمحافظات والبلديات موارد ذاتية من رسوم وجزاءات وضرائب ذات طابع محلي وعوائد استثماراتها وما تتلقاه من هبات ووصايا وما تحصل عليه من قروض وأي عوائد أخرى يحددها القانون ولها حرية التصرف في مواردها بحسب قواعد الحوكمة الرشيدة (المادة 148).

علاقة البلديات والمحافظات بالسلطة المركزية: يعتبر توضيح العلاقة بين السلطة المركزية والمحلية من أهم المسائل حتى لا يتم تفريغ اللامركزية من محتواها وقد تم النص عليها وفق الآتي:

– الدعم (Supporting): حيث نصت المادة (164) فقرة 2 على أن توزيع الإيرادات بشكل عادل ومنصف بين مستويات الحكم الوطني والمحلي بما يراعي الكثافة السكانية وتوزيع السكان في الوحدة المحلية وبعدهم عن المركز ومستوى البنى التحتية والخدمية ومؤشرات التنمية المكانية والبشرية المتوازنة.

– الرقابة (Monitoring) : حيث نصت المادة (149) على أن تخضع وحدات الحكم المحلي فيما يتعلق بشرعية أعمالها للرقابة اللاحقة.

– التدخل (intervention): حيث نصت المادة (150) على أن السلطة التنفيذية لا تتدخل إلا لضمان استمرارية المرفق العام وبمراعاة المعايير الوطنية وفق الدستور والقانون، ويختص القضاء بالفصل في أي نزاع بين البلديات والمحافظات والسلطة المركزية أو فيما بينهما.

هل الخيار الفيدرالي خيار واقعي في ليبيا؟
إن تبني النظام الفدرالي في الدستور الليبي الجديد ليس ضمانة لتغول السلطة المركزية ولا لخلق التوازن بين المعيار السكاني والجغرافي، ولو أخذنا دستور 1951 غير المعدل كنموذج حيث يصنف على أنه دستور فدرالي، حيث تم تحديد المستوى دون الوطني وهي الولايات (طرابلس وبرقة وفزان) وتم تحديد اختصاصات المستوى الوطني والمشتركة وتركت الاختصاصات الأخرى للولايات وغيرها من الملامح الفدرالية.

لكن رغم ذلك فقد اتسم دستور 1951 غير المعدل بتركز السلطة في المركز على حساب الولايات وعدم وجود أي ضمانات أو توازن بين المعيار السكاني والمعيار الجغرافي، لقد أوكلت اختصاصات مطلقة للمك وفق دستور 1951، وهو الذي يمثل رأس السلطة التنفيذية المركزية والتي منها تعين الملك لنصف أعضاء مجلس الشيوخ (المادة 95) ولرئيس مجلس الشيوخ (المادة 97)، وإمكانية أن يقوم الملك بحل مجلس النواب (المادة 65) وإمكانية أن يطلب الملك إعادة النظر في القوانين الصادرة من السلطة التشريعية ولا يصادق عليها إلا إذا تحصلت على أغلبية الثلثين في المجلسين (المادة 136)، ويعين الملك رئيس وقضاة المحكمة العليا (المادة 143)، وللمك حق العفو وتخفيف العقوبة (المادة 77)، ويعين الملك ولاة الولايات الثلاث ويعفيهم من مناصبهم (المادة 180).

بالإضافة إلى ذلك فقد حددت المادة (36) 38 اختصاص للسلطة المركزية تنفيذاً وتشريعاً وأولها التمثيل الدبلوماسية والتجاري والقنصلي، وحددت المادة (38) 27 اختصاص تشريعاً هو من اختصاص السلطة التشريعية المركزية المتمثلة في مجلسي النواب والشيوخ وتنفيذاً للولايات ولكن تحت إشراف السلطة المركزية”.

إضافة إلى ذلك، لا توجد أية ضمانات مناطقية في دستور 1951 على مستوى التشريع الوطني المتمثلة في مجلسي النواب والشيوخ، لقد بني مجلس النواب على الأساس السكاني (المادة 101) وبناء على ذلك يتشكل مجلس النواب من: 35 عضو من ولاية طرابلس؛ 15 عضو من ولاية برقة؛ 5 أعضاء من ولاية فزان، وآلية اتخاذ القرار تكون بأغلبية الحاضرين (المادة 117) بمعنى انه يكفي 29 عضو في حال حضروا جميعاً لتمرير أي قرار من المجلس، أما مجلس الشيوخ فرغم التساوي في مقاعده بين الولايات الثلاث بواقع 8 أعضاء من كل ولاية ليصبح العدد الكلي 24 عضو (المادة 94)، إلا أن آلية اتخاذ القرار به تكون بأغلبية الحاضرين (المادة 117)، بمعنى انه يكفي 13 عضو لتمرير أي قرار من المجلس وهذا لا يمنع أن تمرر القرارات رغم عدم موافقة أعضاء ولاية بأكملها من الولايات الثلاث.

وبناءً على ما سبق، يتضح أن تبني النظام الفدرالي في الدستور الليبي الجديد ليست ضمانة لتغول السلطة المركزية ولا لخلق التوازن بين المعيار السكاني والجغرافي، إن من أهم الضمانات التي يجب النص عليها في الدستور الليبي الجديد هي المشاركة في إقرار القوانين والقرارات الصادرة من السلطة التشريعية المركزية خصوصاً فيما يتعلق بالمناطق، والمشاركة في اختيار رئيس الدولة، وتوزيع المؤسسات السيادية والدستورية وباقي الشركات العامة والمؤسسات، وقيام الحكم المحلي على اللامركزية الموسعة، ووضع معايير لتوزيع إرادات الدولة بين السلطة المركزية والسلطات المحلية، وتمييز إيجابي للمناطق المهمشة ومناطق إنتاج الثروات الطبيعية، إن هذه الضمانات وغيرها فصلت في مشروع الدستور الليبي المعتمد من الهيأة التأسيسية بل إن بعضها خصصت لها أبواب كاملة مثل باب الحكم المحلي وباب الثروات الطبيعية وباب النظام المالي.

المزيد من الأخبار

زر الذهاب إلى الأعلى