إقتصاد

الاحتمالات المتفائلة بمستقبل أسعار النفط تطغى على المتشائمة

الارتفاع الأخير في أسعار النفط، مع صعود سعر خام برنت %20 الى 50 دولاراً للبرميل منذ بداية الشهر الجاري، أحد العوامل المرافقة والمحفزة على الارتفاع الحالي في أصول الأسواق الناشئة. عاد النفط الآن الى مستويات لم نشهدها منذ الخريف الماضي (بصرف النظر عن موجة ارتفاع قصيرة في يونيو من هذا العام)، فما الذي يجري؟

عدد لا بأس به من الأمور يجري، كما تقول مؤسسة ميدلي غلوبل أدفايزرس، لخدمة الأبحاث الكلية التي تمتلكها فايننشال تايمز. ويأتي على رأسها ضعف الدولار وعوامل فنية مثل انخفاض التداول في الصيف وانتهاء مدد عقود الخيارات في أسواق الخيارات والسحب المستمر من مخزونات البنزين في الولايات المتحدة، وتراجع انتاج الولايات المتحدة والتمنيات بقدوم فصل شتاء بارد في نصف الكرة الشمالي.
لكن العامل المحفز الأكثر مباشرة لسعر الخام كان التصريح الصادر عن وزير النفط السعودي الجديد خالد الفالح الذي ألمح، في محاولة أخرى من جانب السعودية، الى تنظيم تجميد للانتاج بين أعضاء أوبك.
بالنسبة لمعظم المستثمرين، تستمر أوبك في أن تبدو وكأنها منظمة لا تعمل بشكل سليم. بداية، هناك عدد قليل من الأمور التي يمكن للسعوديين والايرانيين الاتفاق عليها. وقد رفع الايرانيون انتاجهم خلال الصيف في حين كانوا يعظون الآخرين بوجوب التحمل والصبر، على الرغم من أن الكثير من كميات النفط الاضافية تستهلك محليا بدلا من تصديرها. لذلك فان مخاطر حدوث خيبة أمل في السوق حتى اجتماع أوبك المقبل، في نهاية نوفمبر، ممكنة جدا.
يقدر السعوديون كثيرا سعر 50 دولارا للبرميل كحد أدنى لسعر النفط، وعملت المملكة بالفعل على جس نبض روسيا وغيرها من أعضاء أوبك الأقل تشددا بشأن حصص الانتاج المحتملة، في حين كانت الصادرات الخاصة بها في الواقع مستقرة عند انخفاض طفيف هذا العام. لذلك فان نوعا من تجميد الانتاج يبقى ممكناً.
وفي الوقت نفسه، فان التوازن العالمي بين العرض والطلب مستمر لمصلحة ارتفاع الأسعار. فالانتاج في نيجيريا يحوم حول 1.4 مليون برميل يوميا، بانخفاض قدره 700 ألف برميل يوميا من ذروة 2015 بعد وقوع أكثر من 10 هجمات متفرقة على المنشآت في دلتا النيجر هذا العام. وتبدي مؤسسة ميدلي غلوبل أدفايزرس تشاؤما حول قدرة الحكومة على تهدئة جيل جديد من المتشددين الذين يضغطون، بشكل غير واقعي، للانفصال عن أبوجا.
في ليبيا، على الرغم من المحاولات المتكررة لتشكيل حكومة موحدة وبعض النجاح في دحر تنظيم داعش، الا أن الاقتتال الداخلي بين مختلف التيارات السياسية والدينية المتناحرة يبقى هو الشيء القائم والمعتاد في البلاد ولا يزال الجزء الأكبر من المنشآت النفطية فيها مغلقة. ليبيا، التي كانت تضخ في السابق 1.6 مليون برميل يوميا تدير حاليا انتاجا لا يتجاوز كثيرا 300 ألف برميل.
وعلاوة على ذلك، أنغولا في طريقها لتسجيل انخفاض كبير في الانتاج في وقت لاحق من هذا العام بعد دخول مصافيها في عمليات صيانة كما أن الانتاج تراجع في في معظم أنحاء أميركا اللاتينية (وخاصة فنزويلا) والأهم، في أحواض النفط الصخري في الولايات المتحدة.
الولايات المتحدة، في الواقع، هي الجزء الأخير في اللغز لأن هذا هو المكان حيث يمكن ملاحظة ورصد اعادة التوازن بين العرض والطلب بسهولة أكثر. وكانت عملية اعادة التوازن هذه تعرضت الى ضربة في وقت سابق من هذا العام، باعتبار أن الشتاء الدافئ بشكل استثنائي أدى بالمصافي الأميركية للتحول في وقت مبكر وبقوة من انتاج نواتج التقطير (التي تشمل زيت الوقود والديزل والكيروسين) المستخدمة في أغراض التدفئة الى انتاج المزيد من البنزين. وكانت النتيجة ارتفاع مخزونات البنزين التي عرضت هوامش التكرير للتراجع مما تسبب في لجوء المصافي الى معالجة خام أقل أدى الى انخفاض أسعار النفط.
يجب عكس هذه العملية كلما اتجهنا نحو فصل الخريف وبعد ذلك فصل الشتاء، بحسب ما تعتقد مؤسسة ميدلي، مع تحول مصافي التكرير الى انتاج نواتج التقطير. وفي حين أن مخزونات نواتج التقطير مرتفعة بالمقاييس التاريخية، الا أنها في وضع أفضل من مخزونات البنزين. المفتاح لما سيحدث بعد ذلك هو نوع الشتاء الذي سنشهده في الولايات المتحدة ونصف الكرة الشمالي بشكل عام.
وكان جزء كبير من الشتاء الدافئ غير الموسمي في 2015 – 2016 نتيجة التأثير القوي لظاهرة النينيو في السنوات الـ 40 الماضية، الذي يقاس بارتفاع درجة حرارة المياه في المحيط الهادئ، ويسبب احتباسا حراريا في جميع أنحاء العالم.
الجدير بالذكر، أن ظاهرة النينيو القوية تميل الى أن تليها ظاهرة النينا القوية أيضاً، حيث تعود مياه الآبار الباردة الى المحيط الهادئ، وينعكس كل شيء. وقد حدث هذا الأمر في بداية الثمانينات من القرن الماضي ومنتصف التسعينات، وآخرها كان عندما جاء فصل شتاء شمالي شديد البرودة في 2011 – 2012 في أعقاب فصل دافئ في 2009 – 2010، ما أدى الى زيادة الطلب على وقود التدفئة وبالتالي انخفض المخزون وارتفعت الأسعار.
التنبؤ بالطقس ليس بالاستراتيجية الاستثمارية السليمة. ولكن الى جانب كل العوامل الأخرى التي نوقشت سابقا، فان ذلك يشير الى أن النفط الخام يمكن أن يدخل نطاق تداول أكثر استقرارا من 50 إلى 70 دولاراً للبرميل بدلا من أن يتراجع الى أقل من 50 دولاراً مرة أخرى لفترة طويلة. ولن يرضي ذلك السعوديين فحسب، بل يشير أيضا الى اتجاه صعودي كبير بالنسبة للمستثمرين مقارنة مع ما يتم تسعيره حاليا في السوق.

فايننشيال تايمز

المزيد من الأخبار

زر الذهاب إلى الأعلى