الإعلام الليبي .. توجهات وانقسامات

أخبار ليبيا24_خاص ..منير يوسف .

عشرات الوسائل الإعلامية الليبية تبثّ من الداخل والخارج، يتلقى المواطن ما تنشره ويحلله، ولكل منها مشرب ولها روّاد.

وللاطلاع على واقعها ومحاولة إجابة الأسئلة التي قد تسهم في شفاء الوطن من سلاح صاحبة الجلالة وتوجهات السلطة الرابعة، أجرينا هذا التقرير الذي يكشف حقيقة ما يدور في الوسط الإعلامي وتأثيره على الواقع الليبي:

أصدر المركز الليبي لحرية الصحافة -وهو مؤسسة ليبية غير ربحية- في الشهر الماضي بيان “مطالبة ومناشدة لوقف التحريض في وسائل الإعلام”، وصرّح محمد ناجم مدير المركز لنا قائلا: “للأسف وسائل الإعلام الليبية بمختلف سياساتها التحريرية لا تدعم السلم المٌجتمعي وقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان بقدر ما تلعب في دور سلبي، خصوصاً في ظل غياب التنظيم الهيكلي والقانوني لقطاع الإعلام وعدم تقنينه بشكل جيد، فحرية الصحافة والإعلام يقابلها المسؤولية الاجتماعية والواجبات وهي غائبة تماماً لدي الصحفيين الليبيين للأسف نتيجة لعدم الفهم والإدراك والتدريب وتطوير المهارات الإعلامية، ونحن نرى بشكل شبه يومي الإخلال والخروق المهنية التي يرتكبها الصحفيون سواء خطاب تحريض وكراهية أو التعاطي بشكل غير مهني مع قضايا الإرهاب والنزاعات المسلحة . وكيفية تقويم دورها يحتاج لتكاثف كبير للجهود سواء من المجتمع المدني الليبي أو السلطات المقبلة”.

وعن انقسام قناة الدولة الرسمية إلى واحدة في طرابلس تابعة للمؤتمر وأخرى في الأردن تابعة للبرلمان، التقينا حسام الدين الزوام مدير القناة المكلف حديثا بإدارة القناة في الأردن مع رفض المدير السابق تسليمه القناة، وأفادنا بقوله: للأسف الفوضى في السلطات العليا بالتأكيد تنعكس على النظام الإداري في ليبيا وتعطي جرأة للمسئولين أنهم يتطاولوا على القانون خاصةً في غياب فاعلية الأجهزة الرقابية والضبطية”.
ما قاله حسام الزوام يفقد الثقة لدى المواطن في تلفزيون الدولة وخطابه لأن التلفزيون أصبح يخاطب الرأي العام وفق أجندة التيارات السياسية وأفكار مدراء هذه المحطات التي كان من المفترض أن تنقل معاناة المواطن وتدعم الدولة وأجهزتها من أجل الاستقرار والحفاظ على وحدة البلاد وسيادتها في ظل غياب الثقة في دور القنوات العامة وتفوق القنوات الخاصة التي تتصدر المشهد وتتحكم في الرأي العام وتكسب ثقته على حساب القنوات العامة بالرغم من أن القطاع الخاص أغلب مموليه لهم أجندات سياسية ويتبعون لتيارات وأحزاب بعينها .

أن تلفزيون الدولة يجب أن يعمل على محاربة الإرهاب دينياً وعسكرياً واجتماعياً، والتأكيد على رابطة الشعب الليبي ونسيجه الاجتماعي، وتوعية الرأي العام تجاه المرحلة وخطورتها، والابتعاد عن الأسلوب التحريضي والدعوات المتطرفة لاستمرار القتال بين الليبيين أنفسهم.

راديو الوسط يبث من القاهرة نظرا لاستحالة العمل من داخل ليبيا بسبب انعدام الأمن والاستقرار وارتفاع معدل الجريمة بحسب وصف مديره أحمد المقصبي-حيث أجابنا بكل تأكيد بوجود تأثير للدول المتدخلة في الحرب الأهليّة في ليبيا ولها أدوات وأذرع إعلامية، فمثلا: قناة الرائد التي تبث من تركيا محسوبة على الإخوان وحزب العدالة والبناء.

وللأسف الخطاب الإعلامي الآن يسمّم الجوّ ويفسد المناخ ويضعف الروح المعنوية للمجتمع ويشكك في القوى الوطنية، ومثل هذا الخطاب غير مقبول حتى من القنوات الرسمية للدولة فضلا عن القنوات الخاصة المدعومة من الخارج.
وعن توجّه الوسط ودعمها يجيب بأنّها للتيار المدني تنتسب، وهذا ليس عيبًا أن تنتسب القناة لتوجّه معين ولكنّ خطابها رصين وغير هجومي ولا يسهم في تصدّع الوضع الأمني للبلاد وهذا يلاحظه كل متتبع للوسط، والدعم يمكن أن يجيب عنه رئيس مجلس الإدارة السيد محمود شمام وهو مسافر للعلاج هذه الأيام -شفاه الله-.

في المقابل يرى إسماعيل القريتلي-مدير قناة الرائد الفضائية بأن الحكم على الرائد يجب أن يكون من خلال تحليل مضمونها، والقناة يملكها ليبيون مسجلة باسمهم لدى السلطات الليبية وهم من يدعمها فقط.

وعن الوظيفة الأخلاقية والمهنية للإعلام في الدول التي تعيش سياق أزمات سياسية واحتراب داخلي يجيب: تصبح الوظيفة الأخلاقية أكثر تفصيلا وأعمق في الالتزام بالنسبة للصحفيين والمؤسسات الصحفية فيلتزم الصحفيون وتلزم المؤسسات الصحفية العاملين فيها بقواعد تدقيق وتوثيق تفصيلية للمعلومات والأخبار.

وأهمية الالتزام بالابتعاد عن التحريض وتهييج الجمهور ضد أي طرف في النزاعات وهذا يوجب الابتعاد عن أساليب الخطابة في البرامج وضرورة حضور كل الأطراف لتنقل فقط وجهات نظرها دون السماح لها بتوجيه الاتهامات للأطراف الأخرى، وكذلك تلتزم الصحافة بعدم طرح المواضيع التي تثير الصراعات بين أطراف النزاع أو تحرض ضد المختلف دينيا وعرقيا وسياسيا.

وتزداد المسؤولية الأخلاقية في نقل أخبار الاقتتال فمع التدقيق تمتنع الصحافة عن إطلاق الأوصاف والأحكام المؤيدة لأطراف النزاعات بل تلتزم بطرح وجهات نظر معتدلة تسهم في معالجة الأزمات وتدعم إحلال السلام ووقف الحروب.

وكالة الغيمة الليبية للأخبار -التي لم تسلم من اتهامات رئيس هيئة الإعلام السابق بدعمها الخارجي وردّت الوكالة ببيان رسميّ- يرى طارق الهوني رئيس تحريرها بأن “المطلوب من الإعلام الليبي في الوقت الحالي أن يوفر للمواطن حق الإعلام والمعلومة، حق المواطن في أن يَعلم ويُعلم عنه، يَعرف ويُعرف عنه، حتى يكون له دور بارز في التطبيق العملي للمبادئ الثلاث المعروفة في الحوكمة السياسية: ( الشفافية، المحاسبة، المصارحة) ومهمة التنوير التي يفترض في أي إعلام عصري أن يقوم بها، تنوير على مستوى الإحاطة بما يجري، وعلى مستوى المكاشفة وعلى مستوى محاربة الجهل.

إعلام يسعى ليبني ويعمل ليبني وأخيراً لا شيء غير أن يبني ما هدمته سنين عجاف. صحيح في بلد له أهداف وسعي نحو ما يعرف بأنه (الحكم الرشيد) لا بد له أن يكون حراً إعلامياً، لكن تلك الحرية لا تطلق من أجل حرية من يمارس الإعلام وحده ليعبث فهذا تشويه وذبح للديمقراطية بأهم أدواتها وهو (الإعلام)”.

وقد قمنا باستطلاع للرأي العام من خلال المقاهي ومناقشة النشطاء السياسيين والإعلاميين ليخرج بإجماع مفاده ما لخّصه الإعلامي نبيل الحاج بقوله: “إن الساحة الإعلامية لا تختلف أبداً عن باقي الساحات السياسية والاجتماعية والأمنية والاقتصادية في ليبيا ، فكلها تشهد حالة من الفوضى و عدم الاتزان ، وهنا العوامل كثيرة منها ما هو متعلق بالمؤسسة نفسها ومنها ما له علاقة بالمؤسسات الموازية والمكملة .

قليلا ما تجد خطابا إعلاميا مدركًا ومتزنًا وحتى هذا الأخير سرعان ما يترنح في إحدى أدواته” .

ويبقى المواطن منتظرا إعلاما مهنيّا على أرض الواقع تنمو غـراسه، يبني ويحارب الهدم ويسعى لصالح الوطن واجتماعه على كلمة سواء.

Exit mobile version